اراء و أفكـار

الشريك الخفي في إدارة سياسة أمريكا الخارجية

عاطف الغمري*

يحدث أحيانا أن ينتاب الضعف مركز الرئيس الأمريكي، وتتراجع قدراته على تسيير السياسة الخارجية، في الاتجاه الذي يريده، عندئذ يتصاعد دور أطراف أخرى تسعى لجذب زمام إدارة السياسات إلى يديها، لكن ذلك مشروط بأن يكون لهذه الأطراف بحكم الدستور، والنظام السياسي الداخلي، دور مشارك في قرار السياسة الخارجية.

أبرز هذه الأطراف، الكونجرس، الذي يسمح له الدستور، بأن يكون شريكا للرئيس في إدارة السياسة الخارجية. ورأينا نموذجا لهذه الحالة في فترة الولاية الأولى للرئيس كلينتون، عقب إثارة فضيحة علاقاته النسائية، وتزايد ضغوط الجمهوريين في الكونجرس لتقديمه للمحاكمة Empeachment، وما ترتب على ذلك منذ بدء ولايته الثانية عام 1996، من عجزه عن تنفيذ خطط كان قد أعدها في مجال السياسة الخارجية.
أما الطرف الثاني، فهو وكالة المخابرات المركزية التي لعبت ولا تزال – دورا خفيا في دول العالم الثالث، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط. وهو الدور الذي عرف باسم الباب الخلفي للسياسة الخارجية، أو العمليات القذرة، والذي تحرص المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها وزارة الخارجية، على عدم إظهار وجودها في هذه العمليات، والتي تحدثت عنها كثير من المراجع الأمريكية، وتشمل اغتيالات لزعماء سياسيين، وإثارة حروب أهلية، وتدبير انقلابات، وغيرها.
جذب انتباهي إلى هذه الحقائق، طريقة إدارة أوباما في الفترة الأخيرة، لمشاكل دولية، كان يفترض أن يتصدى لها، باعتباره رئيسا لدولة عظمى، عليها مسؤوليات دولية تقتضي منها المواجهة وليس الهروب، بالإضافة إلى تصريحات على أعلى مستوى من داخل الفريق المعاون لأوباما.
فمثلا تحدثت سوزان رايس مستشارة الأمن القومي بالبيت الأبيض، إلى صحيفة نيويورك تايمز، عما وصفته بسياسة خارجية متواضعة لأوباما في ولايته الثانية في الشرق الأوسط، مبررة ذلك برغبته في تفادي التورط في أحداث المنطقة، حتى لا تبتلع أجندته للسياسة الخارجية.
والتواضع في هذه الحالة، له وجهان، الأول أنه يتفادى حل المشاكل، طالما أن استمرارها يخدم مصالح أمريكية، مثلما يفعل في مواقفه من حل القضية الفلسطينية، بالحرص على استمرارية مفاوضات السلام، في إدارة للصراع، دون حله.
وأيضا مثلما قرر توجيه ضربات جوية لمواقع داعش في العراق، وهو ما كشفت حقيقته صحيفة «واشنطن بوست» بقولها أن قرار أوباما بشن غارات جوية ضد تنظيم داعش فى العراق، لا يرتبط بوجود إستراتيجية حقيقية، فهذه الغارات هدفت إلى منع داعش من المضي في المذابح التي ترتكبها ضد طائفة الإيزيديين، والقيام بأعمال عدائية ضد الأكراد. وإن إجراءات أوباما لا تهدف أصلا إلى هزيمة داعش، أو إيقاف تقدمها الدموي في المنطقة، بل هي محددة بحماية مدينتين إحداهما فر إليها لاجئون، والأخرى يوجد بها مواطنون أمريكيون.
ثم إن مئات الألوف من المواطنين في سوريا ولبنان وغيرها، الذين يتعرضون لتهديدات من تنظيمي القاعدة، وداعش، لا يحظون بأي حماية أمريكية. وهذه هي شهادة الصحيفة الأمريكية.
أكدت ذلك المجلة الفصلية فورين بوليسي، وذكرت عدم وجود خطة لدى أمريكا لمواجهة انتشار التطرف الإرهابي في دول عربية.
أما الوجه الثاني لمعنى تواضع سياسة أوباما في المنطقة، فهو مرتبط بعقيدة مسيطرة على السياسة الخارجية، وهي السعي لضمان الهيمنة الأمريكية في العالم، بكل الطرق الممكنة، والتي تشمل إثارة الفوضى، في دول لا تريد لها أمريكا امتلاك استقلالية قرارها الوطني، وهي الفوضى التي تلعب الدور الرئيسي فيها، وكالة المخابرات المركزية.
اتفق غالبية المحللين الأمريكيين مؤخرا، على أمرين أحدهما، افتقاد أوباما لرؤية إستراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية، انعكست في قرارات تتصف بالارتباك والتناقض، والأمر الآخر انحيازه للجماعات المشتبه بممارستها للعنف والدموية، كجماعة الإخوان في مصر، وتجاهله لمثل هذه الأعمال أو إدانتها، بالرغم من انتشار صورها الموثقة على شاشات التلفزيون في العالم، وكشف هؤلاء المحللون عن العلاقة الوثيقة بين الإخوان والمخابرات المركزية.
وهذا يؤكد المعنى الذي تحدثت عنه سوزان رايس، بشأن سياسة خارجية متواضعة. فالمعنى أكثر شمولا من منطوق الكلمة، فقد وصلت رئاسة أوباما إلى حالة من الضعف، حتى إن استطلاعات الرأي ذكرت أن الأمريكيين لم يعودوا يسمعون لكلام أوباما. في نفس الوقت الذي تصاعد فيه دور وكالة المخابرات المركزية، التي تدير الفوضى في المنطقة، كجزء من السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً