ثقافة وفن

“أنا عراقي أنا أقرأ”… حدث ثقافي عراقي

 

 

أنا عراقي أنا أقرأ

على صدى بيت شعر للجواهري الكبير (هذا العراق وهذه إبداعاته / كانت له من قبل آلاف ديدنا) انطلقت فعاليات مهرجان الثقافة والفنون والمعرفة السنوي (أنا عراقي.. أنا أقرأ..) على كورنيش وحدائق أبو نؤاس بالقرب من نصب لشهريار وشهرزاد في بغداد عصر السبت 4- 10- 2014، وامتد إلى ساعات الليل الأولى لترتفع في سماء المكان الألعاب النارية، التي رسمت توهجاتها بفرح غمر الجميع، الذين كانت أيديهم تحمل الكتب.
عبد الجبار العتابي من بغداد: لإشاعة ثقافة القراءة بين الشباب، وبحضور عدد غفير من الناس على اختلاف أعمارهم، أضاءت فعاليات مهرجان (أنا عراقي أنا أقرأ) ليل بغداد، وأسرجت الفرح في النفوس، وقد انتشرت الكتب على مساحات واسعة من المكان، وتركت حرية الاختيار لاقتناء الكتب بالمجان.

فيما ارتدى الشباب القائمون بالمبادرة قمصان باللون الأزرق الغامق، كتبت عليها عبارة (أنا عراقي أنا أقرأ) باللغات العربية والانكليزية والسومرية، فيما تنوعت الفعاليات من موسيقى وغناء، حيث قدمت فرقة (حلم) موسيقاها الحالمة، وغنّى مطربون، إلى جانب معارض للرسم والزخرفة والصورة الفوتوغرافية والرسم الحر على الهواء الطلق، فضلًا عن الركن الخاص بالكتب الالكترونية والصوتية، التي كانت توزّع أقراصه بالمجان.

يوم سنوي

فيما أكدت اللجنة التحضيرية للمهرجان أن الأساليب الجديدة، التي اعتمدتها، أسفرت عن “زيادة كبيرة” في عدد المشاركين وتبرعات الكتب خلال العام 2014 الحالي مقارنة بسابقيه، داعية الحكومة والبرلمان إلى تخصيص “يوم سنوي للاحتفال بالكتاب”، في حين عدّ ناشطون وأكاديميون أن المبادرة تعكس “التوق المعرفي” لدى الشباب وإصرارهم على بناء بلد أفضل، برغم الظروف الحالية “المحبطة”، ما يتطلب انتباه الجهات الحكومية المعنية ودعمها.

فيما اعتبر العديد من الشباب أنه “ارتقى” بالثقافة العراقية، وأصبح مصدرًا جديدًا لإعانة الجامعيين في بحوثهم، وقد تلقت اللجنة المنظمة 6 آلاف كتاب جديد، رغم تعذر وصول الكثير من الإصدارات من الداخل والخارج، وجمعت 11 ألف كتاب مجانيًا من دور النشر، وهو ضعف ما جمع في العامين السابقين، وشهد الهرجان توزيع أكثر من 5000 كتاب، جمعت بين السياسة والدين والعلوم والتاريخ والجغرافية والأدب وقصص الأطفال.

الأول في القراءة

من جهته، أكد الشاعر أحمد عبد الحسين، أحد القائمين على المهرجان، أكد على أهمية المهرجان. وقال: هذا هو الفرح العراقي الجميل، هذا هو الجمال يتجسد ها هنا في مهرجان القراءة الكبير، الذي يتطور سنة بعد سنة، ويستقطب أناسًا من مختلف الأعمار، ليعلن أن العراقي يعشق القراءة، وأنه سيبقى على الدوام القارئ الأول، بناء على مقولة قديمة تفيد بأن (مصر تكتب، ولبنان يطبع، والعراق يقرأ)، لذا سيظل العراق يقرأ على الرغم من كل الظروف التي تحيط به.

وأضاف: مهرجان (أنا عراقي.. أنا أقرأ) مبادرة قامت بها مجموعة من الشباب للسنة الثالثة على التوالي بجهود ذاتية، قد عملنا خلال الشهرين الأخيرين على جمع أكبر عدد من الكتب من المتبرعين، بعد فتح باب التبرع لتوزيعها مجانًا على القراء، الذين يحضرون الاحتفالية، وبالتأكيد فإن هدفنا الأساسي هو تذكير الجيل الناشئ بالكتاب وأهميته، لأن الجيل الناشئ اليوم أصبح يتعامل مع القراءة الالكترونية، وابتعد عن الكتاب الورقي، الذي يعتبر هو الرمز للقراءة والعلم والمعرفة والثقافة”.

وتابع: “المهرجان الثالث هذا، ورغم الظروف الأمنية، إلا أنه يمثل شيئًا حضاريًا كبيرًا ومهمًا، وقد تضاعف عدد الحضور عن النسخة الأولى، التي كان عدد حضورها ثلاثة آلاف، فيما الثانية استقبلت أربعة آلاف، لكن هذه النسخة تجاوزت الخمسة آلاف، وهذه مناسبة لنبذ الإرهاب بكل أشكاله والعنف، مع تمنياتنا بأن يكون عدد الكتب أكبر من عدد الأسلحة، فالبلدان تتطور وتزدهر بالكتب، وليس بالأسلحة والعنف”.

حصريًا في البلاد

أما الكاتب حامد المالكي‏ فقد أكد أن مهرجان كهذا لا يحدث إلا في بغداد. وقال: شاهدت الكثير من البلدان، لكني لم أشاهد أو أسمع أن في دولة متقدمة مهرجانًا للقراءة، هنالك مهرجانات للطماطم (البندورة) والبطيخ والهروب من الثيران الوحشية، وإلخ من هذه الأمور. أما مهرجان للقراءة، فهذا يحدث في العراق فقط.

وأضاف: أن تدعو أُناسًا من مختلف الأعمار، ومن الجنسين، وتقدم إليهم الكتب، ويجلسون على كورنيش دجلة، قرب شهرزاد وشهريار، والكل بيده كتاب يقرأه، هذا لا يحدث إلا في بغداد، بل العراق كله، هذا العراق، ليس الذي تصدّره نشرات الأخبار الغبية، العراق اخترع الحرف، والعراق يقرأ اليوم.

تحد للإرهاب

من جانبه أشاد عدنان حسين رئيس تحرير جريدة المدى بالمهرجان ومنظميه. وقال: أشعر بفرح غامر لهذه الفعالية، التي واكبتها من البداية، وأعتقد أن الشباب الذين ينظمونها يستحقون كل تقدير لأنهم يقومون بعمل عظيم جدًا.

وأضاف: العراق كان أحد بلدان القراءة المتميزة، ولكن للأسف الشديد مرحلة الحروب دمّرت كل شيء، ومن ضمنها عادة القراءة عند العراقيين، هذه المبادرة تسعى إلى استعادة عادة القراءة، وأنا ألاحظ أن سنة بعد أخرى تتطور الفعالية، ويحضرها عدد كبير من الشباب خصوصًا، وهذا ما يسرني أكثر.

وتابع: المهرجان يمثل تحديًا بالتأكيد لداعش ولكل الإرهابيين، هذا يؤكد للجميع أن العراقيين محبون للحياة ولكل شيء جميل في الحياة، وأنهم أعداء للفكر المتخلف، فكر القتل والموت والذبح، وبهذا الأسلوب العراقييون يعبّرون عن رفضهم لكل المظاهر، ليس الإرهابية فقط، بل والطائفية أيضًا، فهذه فعالية ضد الطائفية، فالكتب الموجودة لكل الاتجاهات والأفكار، والناس الموجودون هنا لا أحد يعرف من الشيعي منهم أو السني أو المسيحي أو الكردي والصابئي، شباب من كل الأشكال والألوان، عراقيون بكل معنى الكلمة هنا، ولا أحد يسأل عن هوية الآخر.

مكتبة الكترونية

أما الكتبي المبادر ستار محسن علي فقد أكد أنه يمثل تحديًا كبيرًا، وقال: يشكل المهرجان، وفي ظل ما يمر به العراق من تشظ ومن وجود وضع أمني مزر في محافظات شمال بغداد، تحديًا كبيرًا، أردنا أن يكون المهرجان احتفالية، ليس من أجل إشاعة ثقافة القراءة، بل ترميم النفس العراقية، ووضع الشباب العراقي الذي يشعر بالإحباط والكآبة والحزن على طرق الأمل.

وأضاف: حاولنا أن يكون (أنا عراقي.. أنا أقرأ) بنسخته الثالثة أجمل من النسختين السابقتين من ناحية حجم العناوين التي وفرناها، والتي تبرع بها أصدقاؤنا، وتعدد الفعاليات من موسيقى إلى شعر إلى رسم إلى غير ذلك.

وتابع: أنا ككتبي وجدت أن الكتاب الورقي لا يزال يتمتع بأهميته، والقارئ العراق يستحسن الكتاب الورقي على الالكتروني، مع ذلك نحن أوجدنا ركنًا للكتاب الالكتروني، ونحاول تفعيله، كما إنني أحاول أن أنشئ مكتبة الكترونية في شارع المتنبي.

المهرجان جنة!!

فيما أعرب الممثل السينمائي جبار الجنابي عن سروره بالحضور الكبير، وقال: بفرح أغامر أنا هنا في حدائق أبو نؤاس أشاهد هذا العدد الهائل من العراقيين المثقفين، الذين يحافظون على مدنيتهم، وحبهم للثقافة والسلام والجمال، إنه شيء مفرح، وأثلج قلبي.

وأضاف: أنا أرى أن الناس في مجيئهم إلى هذا المهرجان لم يبدون أهمية للوضع الأمني، الناس انتصرت في الاحتفاء بالكتاب هنا، فمن يدخل المكان ينسى كل شيء، وأنا بالنسبة إليّ هذا المهرجان جنة.

مشروع إنساني

من جانبه أشار فهد الصكر، تشكيلي وإعلامي، إلى غياب الروابط الثقافية عن المهرجان. وقال: للمرة الثالثة أحضر هذا المشروع المعرفي، فهو بتفاصيله إعادة روح الصلة بين الإنسان والكتاب، بين الانسان المهمش الذي جعلته الأزمات يبتعد عن الكتاب، هذا المشروع يريد أن يوصل فكرة التواصل المعرفي، المهرجان يمثل خطوة شجاعة في زمن قحط، في زمن موجع، في زمن اكتسحت فيه الدمعة كل شوارع بغداد، في زمن هجرت وخربت المكتبات العامة والخاصة، وغادرت المكتبات البيوتات الخاصة أيضًا، هذا المهرجان في مكان كهذا وفي تجمع كهذا يعيد إلينا اللحمة، التي كنا نحلم بها كقراء وأدباء وكمثقفين من خلال هذا الطرح الذي بادر إليه شباب لا يعنيهم الإعلام، ولا تعنيهم موضوعات الربح، ولا أي شيء آخر، بقدر ما يعنيهم هذا المشروع الإنساني، الذي يريد أن يعيد القراءة كصلة وثيقة مرة أخرى.

وأضاف: أجد هنا غيابًا واضحًا للروابط الثقافية ومنظمات المجتمع المدني، بل إنني أشاهد بعض الذين زاروا المكان من السياسيين جاؤوا من أجل الاستعراض لا أكثر، على عكس الأدباء، الذين جاؤوا للتشجيع والتفاخر بالكتاب والمهرجان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً