اراء و أفكـار

الذراع الإيرانية الطويلة والعبث بمصائر الشعوب

عدنان حسين أحمد*

لم تلعب إيران على مرّ التاريخ دورا إيجابيا تجاه الشعب العراقي ويبدو أنها لا تزال تعاني من عُقدة الامبراطورية العظمى التي يجب أن تجيّش جيوشها وتغزو مشارق الأرض ومغاربها لتفرض، في خاتمة المطاف، منظومة قيمها الثقافية وتجبر الآخرين على الإيمان بها أو اتباع مناهجها الفكرية على الأقل.
لم يقتصر هذا الدور الإيراني السلبي على العراق فقط، وإنما يمتد إلى كل البلدان العربية المحاذية لها أو البعيدة عن حدودها الغربية. كما أنها تتدخل بشكل سافر ووقح في كل دول الجوار المحيطة بها ما عدا تركيا، لأن هذه الأخيرة تعرف كيف تقلّم أظافر الحكومة الإيرانية إن طالت، وتعرف كيف تُسكِت الوحش الشاهنشاهي المعمّم إذا عنَّ له أن يُطلق صرخات الوعيد والتهديد في سويعات التيه والغرور الأهوج.

وكدأبها دائما تعزف الحكومة الإيرانية على الوتر الطائفي المقيت، الذي يفرّق ولا يجمع، على أمل تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي، ونسف وحدته الوطنية المتضامّة منذ آلاف السنين. وهو ذات النهج المُهلِك الذي اتبّعته في سوريا، حيث وقفت إلى جانب بشّار الأسد، الدكتاتور البربري الظالم الذي يفتك بشعبه منذ ثلاث سنوات، في سابقة خطيرة لم يعرف لها التاريخ مثيلا من حيث استعماله للقوة المفرطة المتمثلة في القصف الجوي والبراميل المتفجرة والصواريخ الوحشية التي لم تبقِ حجرا على حجر في غالبية المدن والقرى السورية الثائرة على وحشية هذا النظام، الذي خطف السلطة والشعب بمؤازرة الحكومة الإيرانية الطائفية وبعض الدول والمجموعات الإرهابية الخارجة عن القانون التي تُمعن في قتل الشعب السوري، وتُقوّض مدنه ليل نهار.

لقد احتضنت الحكومة الإيرانية الأحزاب الدينية العراقية التي كانت تريد الوصول إلى سُدّة الحكم بأي ثمن، حتى وإن تطلب ذلك الوقوف إلى جانب القوات العسكرية الإيرانية ومقاتلة الجيش العراقي الذي كان يحرز انتصارات متتالية جرّع فيها الخميني كأس السُمّ كما اعترف بعظمة لسانه. إذن، كيف ينتظر العراقيون بكل مكوناتهم القومية وأطيافهم المذهبية من هذه الأحزاب الطائفية أن تقود العراق إلى برّ الأمان، بعد أن جعلت منه حديقة خلفية لنظام الملالي المنبوذ إقليميا وعالميا.

لا تزال ذاكرة القارئ الكريم طرية وتعرف حجم الدعم العلني للحكومة الإيرانية الذي سهّل عملية احتلال العراق من قِبل القوات الأنغلو- أميركية حيث زجّت أعدادا كبيرة من ميليشيات “فيلق بدر” والدعوة الإسلامية التي شرعت بنهجها الانتقامي المعروف الذي لا تزال تمارسه في المحافظات الست المنتفضة، وبدعم إيراني سافر على مختلف الأصعدة العسكرية والأمنية والمخابراتية، بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة التي حافظ عليها العراقيون منذ أربعة عشر قرنا أو يزيد ولم يكونوا ذات يوم في حاجة إلى إيران، أو سواها من الدول المجاورة، كي تحمي هذه المراقد من الإرهابيين والقتلة الذين يحاولون النأي بأنفسهم عن الجرائم الوحشية التي ارتكبت في سامراء وسواها من المدن العراقية العزيزة.

إن الشرخ الطائفي الذي بدأ يتسع من جديد، بعد أحداث 9 يونيو الماضي وما تلاها من انهيار سافر لقطعات الجيش العراقي ذي الصبغة الطائفية، تغذّيه إيران على وجه التحديد، وتعززه الحكومة السورية وميليشيات حزب الله الإرهابية التي تفتك جميعها بأبناء المحافظات الست المنتفضة، التي ثارت على عنجهية المالكي ووحشيته في التعاطي مع المطالب المشروعة لأبناء العراقي برمته، فالأمر ليس مقتصرا على أبناء الشمال والوسط، وإنما على عموم المدن العراقية التي لم تشهد تخلّفا وانعداما لأبسط الخدمات الإنسانية مثلما شهدته في حقبة المالكي السوداء الذي نهب ثروات البلد، وأهلك الحرث والنسل في بلاد الرافدين.

لقد تنامت الميليشيات الخارجة عن القانون في العراق، حتى بلغت حدا لا يمكن السكوت عليه ذلك لأنها تقتل على الهوية وتنهب وتهجّر على مرأى ومسمع الحكومة العراقية التي لم تحرّك ساكنا. أما الحكومة الإيرانية التي سبق لها أن درّبت هذه الميليشيات الإجرامية في معسكراتها فهي تعززها اليوم بالأسلحة والذخيرة والخبراء، وترفدها بالمتطوعين الذين يفتكون بالمكوِّن السُني بحجة الدفاع عن العتبات المقدسة.

إن نظرة عجلى على ما يجري في اليمن تكشف لنا عن خطورة الذراع الإيرانية الطويلة وعبثها في مصائر الشعب اليمني، وهي ذات اليد التي تمتد إلى لبنان لتعبث به وتتطاول على سيادته بوصفه دولة مستقلة، وهي ذات اليد التي تريد أن تصل إلى بلدان المغرب العربي لتعبث بأمنه، وتعرّض سلامة مواطنيه لذات الخطر الذي يتعرض له العراقيون والسوريون واليمنيون والبحرينيون، وشريحة واسعة من اللبنانيين الذين نعتبرهم أنموذجا للتقدّم والتحضّر والمدنية.

خلاصة القول إن الدعوة المفخخة بضم متطوعي الحشد الشعبي إلى القطعات العسكرية والأمنية هي دعوة مُربكة للتوازن الوطني لأن منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية يجب أن يمتلكوا مواصفات علمية وبدنية خاصة تؤهلهم للقبول في الوزارات الأمنية التي هي من حصة الشعب العراقي كله وهي ليست مقتصرة على المتطوعين الذين يمثلون مكونا واحدا. فأساس الأزمة العراقية الراهنة هو التوازن المعقول الذي يجب أن يتحقق في هذه الوزارات، لا أن تُصبح حِكرا على مكوّن بعينه لكي نعيد إنتاج الأزمة جديد.

المطلوب من الحكومة الإيرانية ورجال دينها المبثوثين هنا وهناك، أن يتركوا مصير العراق للعراقيين، فأهل مكة أدرى بشعابها، ولتوفر إيران نصائحها لنفسها علّها تجد مخرجا لعشرات الأزمات التي يعاني منها الشعب الإيراني الذي لا يذعن، هو الآخر، لسياسة الملالي التي تسير عكس حركة الحياة ومنطق التاريخ المعاصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً