اراء و أفكـار

الفرصة التاريخية أمام العبادي

د. ماجد أحمد السامرائي*

العبادي يعلم أن ما أوصل تنظيم الدولة الإسلامية إلى العراق، ليس تهاوي سواتر القوات المسلحة في الموصل وصلاح الدين، وإنما تغييب الساتر الحديدي الوطني في سياسة الإقصاء للعرب السنة.

ليس غريبا مظهر الحفاوة العالية التي حظي بها رئيس الوزراء العراقي الجديد العبادي في حضرة الرئيس الأميركي باراك أوباما قبل أيام في نيويورك وامتداحه له أمام وسائل الإعلام الأميركية والعالمية بعد أيام قليلة من تعيينه، فتلك خصوصية يتفرد بها الرؤساء الأميركيون كجزء من العلاقات العامة، حينما يريدون تمرير أهدافهم المصلحية الخاصة، وهم الآن محتاجون لوجود حكومة عراقية يستطيعون الاستناد عليها في عودتهم الجديدة للعراق بإستراتيجية تبدو غامضة الأهداف في المنطقة رغم شعارها الوهاج “محاربة داعش”.

فقد سبق للرئيس السابق جورج بوش أن زار محافظة الأنبار والتقى ببعض شيوخها ومن بينهم المرحوم “ستار أبو ريشة” الذي كان رئيسا “للصحوات” ثم اغتالته القاعدة بعد أسبوع من ذلك اللقاء. وكان مشروع “الصحوات” هو الحل السحري الذي أنقذهم من المأزق العسكري الذي وقعت فيه قواتهم المحتلة أمام تنظيمات “القاعدة” من جهة، والمقاومة الوطنية المسلحة الرافضة لوجودهم في العراق من جهة أخرى.

لكن الأميركان وبدفع ورضى وتشجيع من القوى “الشيعية المتطرفة” خلطوا في عملياتهم العسكرية ورؤيتهم السياسية، بين تنظيم القاعدة وبين أطراف المقاومة المسلحة، وتعززت سياسة الإقصاء والتهميش والعزل والتطهير الطائفي من قبل سلطة الحكم والمليشيات الطائفية بحق العرب السنة، وهو ما قاد إلى الحرب الطائفية عامي 2006 و2007 وما رافقها من قتل وتهجير مئات الآلاف من منازلهم، واشتعلت نيران الأحقاد والثأر والكراهية بدلاً من التسامح وطي صفحة الماضي.

وتعززت هذه السياسة بدعم من إدارة حكم نوري المالكي لثماني سنوات، وبغطاء ممن يدعون تمثيل العرب السنة الذين منحوا مناصب هامشية انشغلوا بها لتحقيق مغانمهم الخاصة بعيداً عن مطالب جمهور أبناء المحافظات العربية السنية الذين اضطروا إلى الاعتصامات المدنية، ثم العمليات المسلحة التي اختلطت مجدداً بتمدد تنظيمات “داعش” داخل العراق بعد العاشر من يونيو الماضي، وسقوط مدينتي الموصل وصلاح الدين بيدهم.

لتعود مجددا لعبة الخلط هذه بدعم السياسيين السنة المستوطنين في مواقع النفع الخاص. مما يثير مخاوف عدم الخروج من الأزمة التي حلّت بالعراق حيث اضطرت الولايات المتحدة إلى العودة إليه بتحالف دولي جديد، وبمشروع تبدو ملامحه مختلفة عن الواقع الكارثي لسنوات الاحتلال، بهدف عسكري هو القضاء على تنظيمات “داعش” التي تهدد مصالحها وأمنها، عبر القيادات العسكرية الاستشارية داخل المراكز العراقية المهمة، وبرؤية سياسية جديدة قدمتها للعبادي الذي دعمت توليه للحكم كبديل للمالكي.

يفهم من خلال التصريحات أنها تقوم بالدرجة الأولى على التخلي عن سياسة إقصاء السنة، وتنفيذ برنامج وطني شامل متعدد الجوانب من بينها إلغاء قانون اجتثاث البعث الذي أسسوه وشرعوه بعد التاسع من أبريل عام 2003، واعترف الحاكم بريمر في لقاء تلفزيوني قبل أيام أنه “أخطأ حين سلم إدارة تنفيذه للزعماء الشيعة الذين حولوه إلى سيف مسلط على أبناء العرب السنة”.

إن العبادي الذي كسب ثمار المقدمات السياسية والإعلامية التعبوية الأولى لهذه الحرب، يتحمل اليوم مسؤولية وطنية كبرى أمام شعبه، ولعل مواصفات الاعتدال التي يتمتع بها تؤهله لخوض غمار معركة سياسية كبرى، يتخلص في مقدمتها من الوقوع أسير مرجعياته الحزبية والمذهبية التي تسعى التوجهات المتطرفة داخلها إلى إبقائه رهين ذات السياسات الحكومية السابقة التي أنتجت الوضع العراقي المعروف، ولعله يواجه هذه الأيام تلك الضغوط، وهو قادر على الدخول بجرأة في مشروع الزعامة الوطنية العراقية، وسيجد أن العرب السنة الباحثين عن حقوقهم في الإنصاف والعدالة هم أول الداعمين له. وهم ليسوا كما يروّج من قبل بعض المتطرفين باحثين عن “عودتهم للحكم وطرد الشيعة” كما إنه قادر- إن أراد- على العثور على كفاءات سياسية وعلمية من بين العرب السنة غير الطائفيين، قادرين على خدمة الوطن في مختلف مرافق الدولة. حتى وإن أبقى على الواجهات “الديناصورية” لبعض السنة في الحكم.

وهو قادر في ظل الظرف الاستثنائي الحالي على الحل الأمني وذلك في دعوته المباشرة لتلك القيادات السنية المطاردة والتي دخلت في المعركة العسكرية منذ ثلاثة أشهر، دون (وساطات كاذبة ونفعية) والحوار معها على حل وطني بإلقاء السلاح، وتقديم ضمانات إزالة الظلم والحيف الذي وقع على أبناء المحافظات الست، وإشراكها في مشروع الحرس الوطني في محافظاتهم، واستبعاد اللاعبين والمتاجرين وأمراء الحروب الذين سيعيدون تمثيل دور جديد يحقق المكاسب الذاتية لهم.

العبادي يعلم أن ما أوصل تنظيم الدولة الإسلامية إلى العراق، ليس تهاوي سواتر القوات المسلحة في الموصل وصلاح الدين، وإنما تغييب وإزاحة الساتر الحديدي الوطني في سياسة التهميش والإقصاء للعرب السنة، والاعتقالات الجماعية، والتنفيذ الجائر الظالم لقانون الكراهية والحقد والانتقام، “اجتثاث البعث”، وعدم التوازن في الحكومة، وغياب العدالة والمساواة في فرص المواطنين بحقوقهم العامة، وتحكم المليشيات المسلحة وهيمنتها على الشارع والمرافق الحكومية بديلا عن قانون الدولة.

أمام العبادي فرصة تاريخية تتطلب الشجاعة والجرأة ليدخل قلوب العراقيين وضمائرهم. فهل سيغتنم هذه الفرصة؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً