اراء و أفكـار

مأساة النازحين العراقيين

عدنان حسين احمد*

لم تبدأ مأساة النازحين العراقيين في التاسع من يونيو الماضي، اليوم الذي اجتاحت فيه قطعات تنظيم داعش مدينة الموصل واحتلتها في عملية خاطفة أدهشت المراقبين في مختلف أنحاء العالم.

فالنزوح أو التهجير القسري بدأ منذ عام 2005 حينما وصل إبراهيم الجعفري إلى سُدة الحكم وأشعل فتيل الحرب الطائفية، وساهم في تكريسها. ثم جاء خلَفَه نوري المالكي الذي عمّق النَفَس الطائفي مستفزاً غرائز الناس المذهبية ولاعباً على وترها الحسّاس، الأمر الذي ساهم بالتهجير القسري للمكوّن السُني في عموم المحافظات العراقية وليس في المحافظات الست ذات الغالبية السُنية.

إن جريمة التهجير القسري هي من أخطر الجرائم التي ارتكبتها حكومتا الجعفري والمالكي بحق المكوِّن السني، وكانا يظنان أن بإمكانهما إفراغ بعض المحافظات العراقية مثل البصرة وبابل وبغداد من هذا المكوّن الأصيل والمتعايش مع شقيقه الشيعي منذ 14 قرناً أو يزيد، لذلك ابتدعت مخيلة المالكي فكرة الحرب الدائمة على المحافظات السنية الست المنتفضة وتحويلها إلى ساحات قتال عشوائية تتيح لهم قصفها، وتدمير بناها التحتية، وتهجير القسم الأكبر من مواطنيها إلى إقليم كردستان، أو القبول بفكرة التيه والشتات في المنافي العربية والأوروبية.

لا أحد يشك في أنّ تنظيم داعش هو مخلوق مشوّه وقبيح ساهم في صناعته المالكي وبشار الأسد، بمباركة إيرانية ورعاية مباشرة من قبل مؤسساتها الأمنية والاستخبارية. فالمالكي هو الذي أطلق سراح بضعة آلاف من عناصر القاعدة من كبرى السجون العراقية في بغداد والبصرة والموصل، والأسد هو الذي كان يوفر لهم الملاذ الآمن، ويهيئ لهم فرص التدريب، ويتيح لأمثالهم من المرتزقة أن يدخلوا إلى سوريا ومنها إلى المحافظات السنية العراقية المتأزمة أصلاً بفعل القمع الوحشي الذي كانت تمارسه قطعات المالكي الطائفية من جهة، وعناصره الأمنية من جهة أخرى.

نخلص إلى القول إن عمليات النزوح أو التهجير القسري لم تكن مرتبطة بأحداث 9 يونيو 2014 وما تلاها من احتلال لثلث مساحة العراق من قِبل عناصر الدولة الإسلامية التي لم يصل تعدادها في أفضل الأحوال آنذاك إلى أكثر من ألفي مقاتل. فعمليات النزوح والتهجير القسري بدأت منذ عام 2005 ولما تزل قائمة حتى يومنا هذا وبشكلٍ منظّم، لم تستشعر خطورته الأمم المتحدة أو دول الجوار السُنية على الأقل.

ومما يزيد الطين بلّة هي تصريحات الرئيس الأميركي أوباما الذي قال إن قتال داعش على الأراضي العراقية والسورية يحتاج إلى ثلاث سنوات على أقل تقدير، وكأنه سوف يقاتل قطعات قوة عظمى لا شراذم ومرتزقة، حتى وإن كانوا على قدرٍ كبير من التخطيط والتنظيم.

إن التحالف الذي تقوده أميركا الآن ضد تنظيم الدولة الإسلامية بحجة مقاتلة الإرهاب يعني بقاء المحافظات السنية الست تحت رحمة القصف الجوي الماحق لهذه القوة الدولية من جهة، وقسوة تنظيم الدولة الإسلامية وبشاعته من جهة أخرى. وهذا يعني أن منازل المواطنين السنة سوف تتحول إلى أنقاض خلال هذه السنوات الثلاث إن صحّت التوقعات الأميركية، ومن المحتمل أن تطول هذه المدة إذا ابتكر الداعشيون طرقاً جديدة في المناورة وإجبار الشباب على الانخراط في صفوف هذه الحركة الإرهابية.

لا نريد أن نشكك مسبقاً بنوايا السيد العبادي، حتى وإن جاء هذا الرجل من رحم حزب الدعوة الإسلامية الذي أنجب شخصيات طائفية بامتياز مثل الجعفري والمالكي وعدد كبير من القادة والبرلمانيين المشبعين بروح الكراهية تجاه المكون السني، إلا أن قضية النازحين لم تُحل بعد وقد بلغ عدد المهجّرين، حسب الأرقام الرسمية لحكومة إقليم كردستان، قرابة المليون ونصف المليون مهجّر وهو أقل بكثير من الأرقام الحقيقية الموجودة على أرض الواقع، خصوصاً بعد عمليات التهجير القسري التي شهدها عدد من مدن وبلدات محافظة ديالى المنكوبة التي تئن تحت وطأة الميليشيات الطائفية التي أذاقت المواطنين السُنة سوء العذاب.

نطالب السيد العبادي بإيجاد حلول فورية لهؤلاء المهجرين، والكف عن قصف المدن والقرى السُنية بشكل عشوائي، وتأمين عودتهم إلى ديارهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وتأمين خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي وما إلى ذلك من المستلزمات الضرورية التي يحتاجها المواطن.

ونلفت عناية الأمم المتحدة وكل المنظمات الإنسانية في العالم إلى خطورة التهجير القسري الذي لم يقتصر على السُنة، وإنما امتدّ إلى المسيحيين والإيزيديين، ونخشى أن يمتد إلى بقية المكونات العرقية والدينية والمذهبية الأخرى التي، كنّا ولمّا نزل، نراهن على جمال نسيجها الفسيفسائي اللافت للأنظار. فلقد طفح الكأس، وبلغَ السيلُ الزُبى، ولن يستكين الشعب بعد (اللّتيّا والتي)، أي الصغيرة والكبيرة من الدواهي والمِحن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً