اراء و أفكـار

نوري المالكي.. رئيساً لجمهورية العراق

داود البصري*

عجائب العراق وغرائبه ومتناقضاته تدخل ضمن نطاق الأساطير, أوعلى الأقل تعبر عن كوميديا سوداء زاعقة تدور في بلاد مابين النهرين منذ عقود طويلة, دون أن نشهد نهاية حاسمة ونهائية لملاحمها المتنقلة والمتغيرة أيضا, فبعد الانقلاب البريطاني المعلوم في حزب الدعوة الطائفي.

وخروج قائده نوري المالكي من أبواب المنصب التنفيذي الأول في الدولة العراقية, وهومحمل بتبعات وأعباء ومسؤوليات جنايات وتعديات كبيرة, تبدأ من الفشل في إدارة الدولة العراقية وتحويلها لواحدة من أفشل دول العالم المعاصر بامتياز, ولا تنتهي عند حدود اقتراف الجرائم والتعديات الفردية والجماعية والشطط في ممارسة السلطة وتفعيل حالة الاحتراب الأهلي الداخلي وتمزيق العراق لشيع وملل وطوائف متصارعة وقصف المدن والمدنيين بالأسلحة القذرة وعزل العراق عن محيطه العربي, وهي ملفات جنائية كافية لتغييب الشخص المتهم بها وراء الشمس لسنوات طوال, عاد صاحبنا المالكي لبوابات السلطة من الشباك هذه المرة, ومن خلال الصفقات الكواليسية وحفلات الاسترضاء وتبويس ( اللحى والخشوم ), بل وتقلد منصبا شرفيا وفر له الحماية الأمنية والحصانة القانونية والجاه والموارد المالية, وهومنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية العراقية والذي شكل صدمة حقيقية لكل المهتمين بملف حقوق الإنسان, وبأحوال العراق الإنسانية بعيدا عن حفلات قضم الكيكة العراقية أوتقاسم ضباع الطائفية الرثة لجثة العراق المعروضة اليوم في سوق النخاسة الدولية, بعد أن حول التحالف الدولي العراق لمنطقة جذب وقتل لفئران وعفاريت الإرهاب الدولي, وحيث تدور اليوم وتتشكل معركة كونية ضده على الأراضي العراقية سيدفع ثمنها كالعادة الشعب العراقي, وسيقتنص منافعها إن كانت هناك منافع قطط الطائفية السمان. لقد عاد نوري المالكي من جديد يزهو بحلته السلطوية في صلف وتعنت وعنجهية, وذهبت دماء وتضحيات وصرخات آلاف الثكالى والمعذبين والمظلومين من العراقيين أدراج الرياح, بعد أن تم تحويل (دولة الرئيس) ل¯ (فخامة النائب الأول للرئيس) بدلا من التحويل لمحكمة الجنايات العليا للنظر في ملفاته السوداء الكثيرة والمتراكمة والتي (ما تشيلها البعارين) فالنظر في خارطة السلطة العراقية القائمة اليوم تؤكد بأن مصير رئيس الجمهورية الحالي الدكتور أحمد فؤاد معصوم لن يختلف عن مصير سلفه جلال طالباني, فالرئيس العراقي الجديد, رغم تماسكه مصاب بأمراض عدة, في طليعتها أمراض الشيخوخة والقلب والأخبار الواردة من بغداد تؤكد بأن معصوم سيغيب طويلا في جلسات علاج طويلة في المشافي الأوروبية وليس العراقية بالطبع, والغياب القسري للرئيس سيجعل من نوري المالكي أوتوماتيكيا الرئيس التنفيذي الفعلي لجمهورية العراق, أسوة بما كان عليه الملا خضير الخزاعي بعد غياب طالباني وتشريد طارق الهاشمي, واستقالة عادل عبد المهدي. لكن المالكي ليس الخزاعي, فشخصية المالكي عدوانية ستتيح له الهيمنة المباشرة على ملفات القصر الجمهوري, وسيحرك الملفات الداخلية وسيعمل على إحداث فتنة داخلية لخبرته الطويلة في التآمر والعمل السري منذ أيام العمل مع المخابرات الإيرانية ثم السورية في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي, وسيعمل بكل تأكيد من خلال شبكته القوية في الدولة العراقية وتحالفاته مع زعماء الميليشيات والعصابات الطائفية على فبركة ملفات ولربما عمليات اغتيال للنائبين الآخرين الدكتور إياد علاوي والباشمهندس أسامة النجيفي, وستشهد حرب القصور البغدادية ملاحم جديدة خلال الفترة المقبلة, صحيح أن المالكي بمنصبه الرفيع قد استطاع تخطي جميع المطالبات القانونية الداعية لإحالته الفورية على المحكمة الجنائية, إلا أنه لن يقنع أبدا بالسكوت والرضا بالقسمة والنصيب بل سيعمل جاهدا على إثارة المشكلات وفبركة السيناريوهات لإحراج حكومة رفيقه اللدود حيدر العبادي وجهوده لترقيع الثقوب المالكية الخطيرة, وكذلك لتشريد النائبين الآخرين وهي المهمة الستراتيجية التي سيتفرغ لها المالكي لإدارة الصراع الداخلي في العراق.
لقد كان واضحا منذ البداية أن التغييرات السلطوية التي جرت في العراق بمجيء حكومة العبادي لم تكن تغييرات سطحية إعلامية محضة لا علاقة لها أبدا بملفات إصلاح وطني حقيقية وإنقاذ ما تبقى من العراق النازف, بل كانت إجراءات ترقيعية تم فرضها من قبل دول التحالف (أميركا وبريطانيا) وتحت سيوف التهديدات الداعشية التي رسمت كل تفاصيل المشهد العراقي الغامض والمفتوح على احتمالات وتطورات كثيرة.
لوكانت هنالك النية الحقيقية للإصلاح والتغيير الجذري المنشود لتمت إحالة المالكي وأركان مكتبه وقيادته لمحكمة وطنية عراقية عاجلة ولا نقول دولية رغم أن جرائم حكومته تدخل ضمن نطاق المحكمة الدولية بشأن المجازر الجماعية والإبادة البشرية, إلا أن الأوضاع العامة في العراق, وطبيعة السلطة الطائفية الرثة, وتهاون المجتمع الدولي وانتهازية ونفاق دول التحالف لا تسمح بأية متغيرات حقيقية في العراق الذي يراد له على الدوام أن يكون محطة دائمة للأزمات, قريبا سيكون نوري المالكي رئيس جمهورية العراق, وهي فضيحة أخلاقية وقانونية تاريخية تسيء للشعب العراقي بكل تأكيد.

– See more at: http://al-seyassah.com/%d9%86%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3%d8%a7%d9%8b-%d9%84%d8%ac%d9%85%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82/#sthash.yhIN2vTM.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً