اراء و أفكـار

الـوجـه الـغـامـض للـحـقـيـقـة الـمـرة

كاظم فنجان الحمامي*

سنتعرف هنا على الملامح الغامضة لصورتنا المستقبلية المخيفة التي رسمتها المخالب الشيطانية الخبيثة في أوكار دهاقنة الشر، وعلى رأسهم (برنارد لويس). لكننا قبل أن نتعرف عليها لابد من الاعتراف بأن التقسيمات الطائفية للرئاسات الثلاث، ووريثتها المحاصصة الطائفية، وضعف المؤسسة العسكرية، وانتشار الميليشيات المسلحة، وغياب التوصيف النوعي عند تنصيب الأشخاص وتعيينهم، والاستغناء عن أصحاب الاختصاصات النادرة، وشيوع المعايير المزدوجة في التعامل مع الناس، والمواقف الانتقائية، وتفشي الفساد، والتهافت على السلطات، وما إلى ذلك من الهفوات المتكررة، وما لحقها من أخطاء وقرارات ارتجالية وأحكام متسرعة، هي التي أوصلت العراق إلى ما نحن عليه الآن، وهي التي أشعلت فتيل الفتنة، وعمقت الخلافات الموروثة بين الكيانات السياسية والدينية والعشائرية المتنافرة. دعونا نتصفح أوراق الرعب المتطايرة هذه الأيام من مجازر نينوى وضواحيها، حيث تصدرت (داعش) المشهد الدموي براياتها السود، وتسللت بعناصرها الملثمة نحو إذكاء نار الطائفية، تمهيداً لتجزئة العراق بإنعاش الرغبات الانفصالية، فدمرت المساجد، ونسفت الكنائس، وهدمت الصوامع، ثم قالت أنها في طريقها نحو النجف وكربلاء لتدمير العتبات المقدسة، متعمدة استفزاز الشيعة والتلاعب بأعصابهم، وقالت أنها في طريقها لضم المدن الكردية، وفي طريقها لبيع النساء المسيحيات والأيزيديات في أسواق النخاسة، ثم نشرت سلسلة من الأفلام التي صورتها داعش بنفسها عن تنفيذها لسلسلة من جرائم القتل العشوائي على الهوية، والتي استهدفت فيها الطوائف العربية غير السنية، لكنها استهدفت الأكراد السنة، فاختلطت الأوراق، وتداخلت المواقف المتشنجة، واشتعل العراق برمته بنيران الغضب الشعبي العارم، وأعلنت إيران عن تأييدها المطلق للحشود الشعبية المسلحة في حربها ضد داعش وأخواتها. وظهرت على السطح ملامح المحاولات الأمريكية لجر إيران والسعودية، وتوريطهما في حرب طائفية طويلة الأمد فوق أرض العراق، حتى ينشغلوا باستنزاف قواهم، ويطحنوا بعضهم بعضاً، وهذا ما صرحت به هيلاري كلينتون، عندما قالت: لن نتحمل تكاليف الحروب الداخلية للمسلمين، وهم سيتولون ذلك بأنفسهم. هل قرأتم مؤلفات الكاهن (برنارد لويس)، الذي يعزى له مخطط إثارة الفتن الطائفية في المنطقة، وتعود له فكرة تصدير النسخة الجديدة من حروب (الربيع العربي). لقد توصل هذا الكاهن إلى معرفة أسباب سقوط الدولة الإسلامية في بلاد الأندلس، فاكتشف أن الجيوش الصليبية الجرارة لم تستطع طرد المسلمين من أوربا على مدى ثمانية قرون متعاقبة، وأن المسلمين لم يُهزموا ولم تُكسر شوكتهم إلا بعد اندلاع حروب ملوك الطوائف، وإلا بعد تفجر القتال من داخل البيت الإسلامي، فخرجوا نهائياً من الأندلس من دون أن تخسر أوربا جندياً واحداً. من هنا ولدت أفكار الكاهن (برنارد لويس)، وعلى هذه الأسس وضع إستراتيجيته التوسعية القائمة على إثارة النعرات الطائفية بين البلدان العربية والإسلامية. فتوصل (برنارد) إلى أن الأهداف الأمريكية لن تتحقق إلا بوجود عملاء يتخصصون بصناعة نسخ رقمية حديثة مستنسخة من (القرامطة)، و(المعتزلة)، و(الزنادقة)، و(الخوارج)، وإظهارهم بأزياء وسيناريوهات متوافقة مع التطلعات الطائفية الراهنة، ومن ثم تحريضهم على الاستعانة بطرق الخداع القديمة، المتمثلة برفع المصاحف فوق رؤوس الرماح، أو رفع الرايات السود أو الرايات الخضر أو الحمر. أو أي رمز من رموز الدولة الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو العثمانية، واستغلال توجهات المسلمين المشبعة بالعواطف القديمة. أكتشف (برنارد) أيضاً أن الذين رفعوا المصاحف لم يترددوا من قتل الخلفاء والصحابة على الرغم من علمهم المسبق بمنزلتهم العظيمة، فما الذي يمنع أمريكا وعملاؤها من تأسيس ميليشيات طائفية متطرفة على غرار القرامطة والخوارج. تقتل رجال الدين من كافة الطوائف وبلا سبب، وترتكب الفواحش من دون تردد، وتنتهك حقوق الإنسان كيفما تشتهي وحيثما تحب. من دون أن تفكر بالزحف نحو إسرائيل، ومن دون أن تجرأ على نصرة أهلنا في غزة. ألا ترون أن داعش وأخواتها من الميليشيات المسلحة لم ولن تشترك في الحرب ضد إسرائيل، فوظيفتها الجهادية الكاذبة مقتصرة على المناطق العربية ولا يجوز لها إعلان الحرب على الصهاينة حتى ولو بالهمس. أما الحركات الجهادية الحقيقية التي لا علاقة لها بالتنظيمات الأمريكية فتراها تئن دائماً من طعنات داعش وغدرها، أسألوا أنفسكم لماذا قتلت داعش رجال الجيش الحر؟. ولماذا حاربت جيش النصرة ؟. وكيف تحولت داعش إلى قوة ضاربة في ليلة وضحاها؟، ومن أين جاءت بعناصرها الذين لا يحسنون الوضوء ولا يؤدون الصلاة على أصولها. ثم أسألوا أنفسكم عن الذي قتل (العياشي) رغم أنه المسؤول عن صناعة الصواريخ في غزة ولماذا ؟. وابحثوا عن اسم الميليشيات المسلحة التي قتلت (700) فدائي من فتح في يوم واحد. ولاحظوا كيف تحول الصراع إلى عربي عربي، وسني سني، وشيعي شيعي. ثم أنظروا إلى المنهج الذي سار عليه الانتحاريون في التفخيخ والتفجير، ولماذا يقتلون الناس بالجملة ومن دون تمييز ؟. ومن الذي ضحك عليهم، وقال لهم أنكم ستتناولون الطعام في الجنة مع الأنبياء والرسل ؟.
أنظروا كيف صار العراق مسرحاً مفتوحاً للقتل والخطف والاغتصاب والقصف العشوائي والتصفيات الجسدية، واسألوا أنفسكم هل نحن سائرون إلى التهجير أم إلى التغيير ؟، وأين نلوذ بالفرار إذا كانت المساجد مُستهدفة والكنائس ملغومة والمستشفيات مهددة. أسألوا أنفسكم ماذا لو تعارضت الشريعة مع مستقبل الوطن، وأعرضوا أسألتكم على الفقهاء والعقلاء، سيقولون لكم أن الحفاظ على وحدة تراب الوطن هو الهدف الأسمى، الذي لا يعلو عليه هدف. أما إذا تفكك الوطن، وتشرد الشعب فلن تكون هناك أي مساحة لإقامة الشريعة.

المصدر: صحيفة المستقبل العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً