اراء و أفكـار

العراق بعد المالكي

كريستوفر . ر . هِل*

إن رحيل نوري المالكي على هذا النحو المتشنج من رئاسة الوزراء في العراق يذكرنا بالعديد من حالات الخروج الدرامية لقادة سياسيين لا يحظون بالشعبية الكافية والواقع أن رحيله لم يكن قبل الأوان بأي حال من الأحوال، نظراً لكل المتاعب الحالية التي تواجهها بلاده والتي حَمَّلَه قسم كبير من العراقيين المسؤولية عنها.
كان المالكي وفقاً لوجهة النظر هذه مسبباً للخلاف والشقاق على نحو لا ينتهي، وكانت تدفعه إلى ذلك ميوله الاستبدادية، وكان يفتقر إلى المهارات السياسية الأولية وغير قادر على قيادة جيش في حالة من الفوضى . ولكن أعظم إخفاقاته كان متمثلاً في عجزه عن إدراك حقيقة مفادها أن الحكم الناجح في العراق يتطلب التواصل مع الطوائف الأخرى، وأهمها السُنّة والأكراد . ولكن المالكي بدلاً من ذلك أمر باعتقالات وقائية لرجال شباب من السُنّة تحسباً لفرارهم إلى الجماعات الإرهابية، ولاحق خصومه السياسيين إلى حد طردهم من الحكومة في بعض الحالات (وفي حالة واحدة إلى المنفى) .
لا شك في أن الكثير من هذا السرد له أساس في الواقع . ولكن لو كانت هذه هي القصة بالكامل، فإن مهمة رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي الذي تعلم في الغرب والذي يتسم بدماثة الخلق كانت لتصبح سهلة في إعادة الأمور إلى حالها القديمة . فالعراقيون السُنّة لديهم كل الأسباب لدعم العبادي الآن بعد رحيل المالكي .
الواقع أن المهمة التي تنتظر العبادي ثقيلة وشاقة . فانهيار العراق لا يرجع إلى فشل المالكي في التواصل مع الأقلية السنية التي تشكل 20% من سكان البلاد فحسب، بل هناك أيضاً فشل السُنّة في احتضان دولة تعبر عن سياستها أغلبية شيعية .
فتنظيم “داعش”، وهو المثال الأكثر وضوحاً، لم ينشأ نتيجة لفشل المالكي في التواصل مع السُنّة . فلا يوجد دليل يُذكَر يشير إلى أن تنظيم “داعش” يبدي أدنى قدر من الاهتمام بالتواصل مع أي زعيم شيعي، وبرغم غموض تنظيم “داعش”، فإن موقفه من هذه النقطة واضح بلا أي لبس .
ورغم أن عدداً كبيراً من زعامات تنظيم “داعش” وعناصره عراقيون، فقد نشأت هذه الجماعة كقوة جيدة التمويل والتسليح أثناء الحرب الأهلية في سوريا . ولكن تنظيم “داعش” لم يكن مكتفياً بإزالة السلطة هناك، بل كان يستهدف أي تحد لسلطته باعتباره الممثل الحقيقي للسُنّة في بلاد الشام وما وراءها . وبالتالي فقد هاجم العناصر المرتبطة بأطراف إسلامية أخرى، والسلفيين المصريين، والجيش السوري الحر، بضراوة شديدة حتى إن الجيش السوري يتركه في بعض الأحيان يقوم عنه بمهامه .
إن تنظيم “داعش”، مثله في ذلك كمثل العديد من الجماعات المماثلة من قبله، قد يختفي في الصحراء، ولا يترك من خلفه سوى أسر ضحاياه تجتر ذكرى الجرائم التي ارتكبها .
والآن حان الوقت أن يتحدث ويعمل كل أهل العراق بقدر أكبر من الوضوح والثبات في مواجهة هذا التهديد الوجودي للحضارة في مهد الحضارة . فبادئ ذي بدء، لا بد من وقف المساعدات التي يتلقاها تنظيم “داعش”، ففي الفترة من عام 2005 إلى ،2008 أسهم منع المقاتلين الأجانب والمساعدات من الوصول إلى تنظيم القاعدة في العراق (سلف تنظيم الدولة الإسلامية) في قمع التمرد السُنّي إلى حد كبير .
والأمر يتطلب أيضاً الاتفاق على حل يسفر عن تحييد تنظيم “داعش” لتمكين التقدم إلى الأمام في سوريا . ولا بد أن يكون هذا الحل متعدد الأبعاد، وسوف يتضمن في الأرجح شن غارات جوية ضد تنظيم “داعش” في سوريا ذاتها وهو الاحتمال الذي لا يتطلع إليه أحد .
ولكن سوريا لن تستقر بالضربات الجوية وحدها . فلا بد من تجديد الجهود الدبلوماسية من خلال بناء الإجماع أولاً بين القوى الخارجية، ثم بين الأطراف المتحاربة حول الهيئة التي قد تبدو عليها سوريا في المستقبل . فهل تتحول إلى جمهورية فيدرالية؟ أو نظام يقوم على المقاطعات؟ أو ربما يجب أن يضم نظامها الجديد برلماناً من مجلسين، مع مجلس شيوخ يقوم على أساس طائفي ويتمتع بحق النقض ضد القوانين التي قد يستنها مجلس النواب .
إن صياغة الترتيبات السياسية المستقبلية في سوريا، بقدر ما تبدو بعيدة المنال اليوم، ربما تُعَد الوسيلة الأفضل لمساعدة المعارضة المعتدلة المحاصرة في البلاد وفضح الرافضين . ولا ينبغي للرئيس بشار الأسد أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا، ولكن هذه القضية يمكن تأجيلها في الوقت الحالي إلى أن يتم إنشاء قنوات اتصال جيدة مع مؤيديه وغيرهم الذين يواصلون القتال في صفه .
هناك أولئك الذين سيقولون إن هذا كان من الواجب أن يتم قبل عامين . ولكن لا ينبغي لنا أن نعزي أنفسنا بأن القيام بالأمر في وقت متأخر أفضل من عدم القيام به على الإطلاق . فنظراً لزخم الحرب الأهلية السورية وتعقيدها، يبدو من المرجح أن يستمر القتال لعامين من الآن، عندما ينظر البعض بلا أدنى شك إلى الوراء فيقول إن بعض المسارات الأخرى كان من الواجب سلوكها كما خمنتم قبل عامين .
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/5735bcd8-4279-44f4-8fb7-d88fb03ae5b7#sthash.DqJcG0Bg.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً