اراء و أفكـار

أبعاد مأساة جامع مصعب بن عمير

حسين حافظ*

زلات اللسان تفصح في الكثير من الأحيان عن بواطن الأمور أو ما يطلق عليها في لغة العرب الاستبطان، وهي في تجليات معانيها معرفة خفايا الأمور والبحث عما هو مشترك فيها، بغية الوصول إلى تعميمات تظهر الاستبطان، وهي أيضاً منهج من مناهج مقاربة الظواهر النفسية لمعرفتها وتحليلها وتأويلها.


وفي الاستبطان تتجلى بوضوح ظاهرتان إنسانيتان متواليتان ومتقاطعتان هما (الغضب والتأمل)، أحداهما سابقة على الأخرى، إذ من المستحيل أن يغضب الإنسان ويتأمل غضبه في الحين ذاته، إنما التأمل حالة لاحقة ينبغي الاستفادة فيها من مخرجات الغضب كقول الشاعر
أغضب صديقك تستطلع سريرته
للسر نافذتان السكر والغضب .

أو كقوله:

ما صرح الحوض عما في قرارته
من راسب الطين إلا وهو مضطرب .

وقول المالكي قبل تخليه عن الولاية الثالثة يندرج ضمن الاستبطان بشكل مؤكد كقوله . . “إذا ما تم تجاوز تكليفي لولاية ثالثة فستفتح نار جهنم في العراق” وهو استبطان جاد بتجلياته في أكثر من حال .
فما كاد لنار جهنم أن تستعر في العراق لولا تلك الولايتين البائستين التي أخذت من عمر العراقيين الكثير قتلاً وتشريداً وفساداً وتجويعاً، ومن الإنصاف القول إن ليس المالكي وحده مسؤولاً عن تلك المرحلتين، إنما الأطراف جميعاً التي اشتركت في العملية السياسية التي آلت إلى وصف العاصمة بغداد بأنها أسوأ مكان لعيش الإنسان في العالم، واحتل العراق أعلى المراتب الدولية في الفساد المالي والإداري، ولعلنا من باب التذكير بمزايا تلك المرحلة أن نذكر بتصاعد موجات التدمير الهائلة التي استهدفت الوزارات والمؤسسات ومرافق الدولة في العموم مثلما استهدفت أموال المواطنين وممتلكاتهم وأرواحهم، ولم تسلم دور العبادة من كنائس وجوامع وحسينيات من التدمير، حتى بلغ السخط الجماهيري حداً أضحت فيه مناطق من العراق بعينها ملاذاً آمناً للإرهابيين وسواهم من أعداء العراق، فسهل ذلك على داعش وسواها أن تتمدد وتبسط سيطرتها على أكثر من ثلث مساحة العراق، إلى غير ذلك من أزمات محلية وإقليمية ما انزل الله بها من سلطان .
لم ينته حكم المالكي بمثل ما تنتهي به النظم الديمقراطية المتمدنة بتمهيد الطريق للخلف والكف عن التدخل في مرحلة يترأسها زميل من زملائه وعضو بارز في حزبه، وكان ينبغي فيها رفع اليد والاكتفاء بالتهنئة ثم إخلاء السبيل لمرحلة قد تكون واعدة في تاريخ العراق السياسي المعاصر، إلا أن المالكي ربما يريد منها أن تكون امتداداً لمرحلة حكمه ووفقا لنهجه، وما حدث في محافظة ديالى الساخنة وتحديداً في ناحية حمرين وفي منطقة أمام ويس من استهداف بيت من بيوت الله وقتل سبعين من المصلين العزل إلا النهاية الختامية المأساوية لمرحلة حكمه .ليس معنى ذلك اتهاماً للمالكي أو سواه إنما استشهاداً بفوضوية تلك المرحلة .
ففي الوقت الذي يستعد فيه حيدر العبادي للملمة شتات المرحلة السابقة متوسلاً الوصول إلى إرضاء الشركاء الأساسيين ووفقاً لمطالب تصاعدية لم تشهد لها النظم التوافقية مثيلاً تتفجر أزمة الشهداء في جامع مصعب بن عمير وهي أزمة تكاد تطيح بالتوافق والشراكة على حد سواء .
وبقدر ما لهذه الحادثة من تأثير في الضمير الإنساني فلها في الوقت نفسه أبعاداً لا بد من ذكرها بشيء من الإيجاز .
ففي بعدها السياسي ووفقاً للنصائح التي قدمها المالكي لسلفه بعدم الرضوخ لسقف مطالب الكتل السياسية التي ستشترك في العملية السياسية المقبلة وهو تدخل غير محمود في محاولة لعدم الانفتاح على الشركاء السياسيين وهي ذات السياسة المنتهجة في الفترة المنصرمة التي افضت إلى ازمات وانسحابات متكررة على مستوى الحكومة والبرلمان على حد سواء ما عطل الكثير من القوانيين والإجراءات الحكومية اللاحقة .
وفي الوقت ذاته انعكست بشكل حاد على موقف الأطراف السنية في التشبث ببعض المطالب التي كان يمكن التوصل إلى تسويتها قبل حصولها مما سيضعف العبادي كطرف مفاوض أساسي في تشكيل العملية السياسية المقبلة وفي النتيجة زيادة الرضوخ لمطالب السنة في العراق وعلى قاعدة (مصائب قوم عند قوم فوائد) .
وهي في بعدها الاجتماعي لا تعدو أن تكون سوى محاولة لتعميق الهوة التي يحاول العبادي جسرها أو ردمها بين المكونيين الاساسيين في المجتمع العراقي خاصة أن المعاونة الدولية والإقليمية في مكافحة الإرهاب في العراق تشترط بالدرجة الأساس أن تشترك الأطراف جميعاً بالانخراط السلس والفاعل في العملية السياسية، وأن الحادث المؤلم سيترك تداعيات خطرة على مستوى المشاركة الجادة والشعور بالرضا والقبول بمواجهة الإرهاب لا سيما في المناطق الأكثر انخراطاً في مشروع “داعش” الإرهابي .
وهي في بعدها الوظيفي ليست سوى انخراط في مشروع التقسيم الذي ما زالت تلوح به العديد من المناطق الجغرافية في العراق وخاصة المناطق ذات الأغلبية السنية ورفضها الانخراط في العملية السياسية من دون البدء بتعميم النظام الفيدرالي في العراق وهي العقبة الكؤود في تشكيل الحكومة المرتقبة .
فإن لم يتم تدارك الأمور من قبل العبادي والإسراع في الكشف السريع عن مرتكبي الجريمة الإنسانية البشعة سيكون ماراثون تشكيل الحكومة طويلاً ومعقداً وغير ذي جدوى .

– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/page/87ac8b91-ddff-4d11-a964-d3abbc04cd94#sthash.4MxqvBhE.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً