اراء و أفكـار

تكنوقراط أم خرط قتاد!

د. طه جزاع

تَتواصل الاتصالات بين مختلف المكونات والكتل والأحزاب والشخصيات الاعتبارية والسياسية بهدف الخروج بتشكيلة وزارية يفترض أن تعلن ضمن المدة المحددة في الدستور إذا تم التوافق على عدد الوزارات وتسمية الوزراء اعتمادا على مبدأ الكفاءة وحدها أو ما يطلق عليه اسم حكومة تكنوقراط.

بعيدا عن المحاصصة التي لم تنتج لنا إلا وزارات عرجاء ووزراء سعداء أغلبهم لا يفقهون شيئا في أمور وزاراتهم وليست لهم كفاءة حقيقية ولا مهارة إلا في تعيين الأقرباء والأنساب والأصهار وتقريب الحاشية والتنعم بالعطايا والمطايا والامتيازات وكثرة الأيفادات!

ولعل ذلك يبدو مستبعدا، أو حلما عابرا راود الناس وهم يسمعون العديد من التصريحات عن التشكيلة الوزارية الجديدة التي تؤكد إن الحكومة هذه المرة ستكون في خدمة المواطن من دون تمييز ولا محسوبية ولا منسوبية ولا عشائرية ولا مناطقية ولا حزبية، فهذا المواطن كان قد خبر الكثير من التصريحات المشابهة طيلة السنوات العشر الماضية، لا سيما أيام الحملات الدعائية الانتخابية، لكنه لم يحصد غير الوعود والتمنيات والكلمات الفارغات التي سرعان ما تتلاشى مع ظهور نتائج الانتخابات، فإذا بهذا الوزير أو النائب يتملص أو ينسى أو يتناسى ما كان يقوله ويصرح به بعد أن تأكد من جلوسه على كرسي الوزارة والنيابة، وذاق حلاوته وتمتع بهيبته وسلطته، وما عاد قادرا ولا راغبا إلا بشيء واحد، هو تأمين الالتصاق بمنصبه لأطول مدة ممكنة لكي يتمكن من تنفيذ مشاريعه وأفكاره – الخلاقة – في خدمة نفسه وعياله ومقربيه ومناصريه، وهذا هو ديدن الأغلبية في التعامل مع الرعية، إلا ما رحم ربي، فلكل قاعدة استثناء، ولكل حكومة وزراء أكفاء، ووزراء هم اقرب إلى المصيبة والبلاء على البلاد والعباد!
ومن البديهي إن السعي لتشكيل حكومة متماسكة وفاعلة في مثل هذه الظروف الصعبة والمأساوية، أمر في غاية التعقيد ويتطلب تقديم تنازلات من كافة الأطراف التي تعودت على التصلب في المواقف، والتطرف في تحقيق المكاسب الفئوية الضيقة، والارتفاع في سقف المطالب، وقد يكون ذلك أمرا مشروعا في الظروف الاعتيادية الهادئة، لكنه في مثل ظروف البلد الحالية، يعد جهلا وتخريبا ونكاية بالمواطن الحالم بالتغيير وتوفير فرص العمل والخدمات وتحسين مستواه المعيشي والعيش بأمان واستقرار، والتطلع إلى مستقبل مضمون، بدلا من بقائه مشتتا مشردا وخائفا قلقا، باحثا عن بلد آخر يأويه مع أسرته، أو مهجرا نازحا في بلده ينتظر المساعدات والعطف والرأفة من المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية، بعد أن فقد بيته وعمله واستقراره وأصبح بين ليلة وضحاها بين فكي الإرهاب والقصف المجنون من دون ذنب جناه سوى تمسكه بوطنه على الرغم من كل الحروب والمآسي والآلام وفقدان الأمل والرجاء، والدخول في نفق مظلم مرعب يبدو انه بلا نهاية حتى الآن.
إن كانت حكومة تكنوقراط أو تكنومحاصصة، فأن المهمة الأولى لها هي إعادة النازحين إلى مدنهم وبيوتهم وتأمين حياتهم واستقرارهم، ومن دون ذلك فأنها.. خرط قتاد!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً