اراء و أفكـار

تلك المناصب نداولها!

د. حميد عبد الله*

أخيراً رضخ رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي وأقر بمبدأ التداول السلمي للسلطة وأعلن تنحيه عن الترشح والتنافس.

لا أزعمُ أن حيدر العبادي سيصنع المعجزات، ولا أتوقع أنه سيغير واقع العراق ليحوله من قاتم مكفهر إلى وردي زاهٍ، إنه مهما فعل واجتهد وثابر فهو غير قادر على تنظيف البلاد من الألغام المزروعة في كل جنبة من جنباتها وفي كل مفصل من مفاصلها!
الإرث ثقيل يا صاحبي.. والعبء تنوء تحته الجبال يا ابن عمي.. والرجل صنعه الله من طينة مشابهة للطينة التي صنع منها المالكي، وأعني بها السلالة الفكرية والعقيدية والحزبية!
أنا أقر أن ليس كل الحزبيين متشابهين بالطباع والخصال والنزعات حتى وإن اشتركوا بمعتقد واحد..
بينهم الفاشل وبينهم الذكي اللماح، منهم القاتل والطامع بالسلطة ومنهم الزاهد بها المتفاني من أجل الفوز برضا السماء والأرض، منهم من يعبد المنصب ومنهم من يعبد الله، منهم من ينسى ماضيه لحظة جلوسه على الكرسي ومنهم من يستلهم من ذلك الماضي أعظم العبر وأبلغ الدروس، منهم من يحتفظ بأمانته وزهده ونظافة يديه ونصاعة ضميره ووجدانه، ومنهم من يصاب بالعمى فيغرف غرفاً مما هو حرام وحلال من غير أن يميز بين جيبه وبيت المال، بين ما لله وما لقيصر، بين الموازنة العامة وراتبه.
ما يفرحنا أن السلطة تم تداولها بين الناس وتم تسليمها سلمياً برغم أن ماكنتها ملطخة بالدم الطهور بعلم من أصحابها أو بغير علم، بتخطيط وقصد منهم أو بغباء وسوء إدارة وجهل.
نتطلع إلى خطاب جديد يتبناه العبادي مؤداه أن السلطة ليست مغنمة والوطن ليس حكراً لطرف والحكومة ما هي إلا وسيلة لإرضاء الناس وخدمتهم وإن من أولى واجبات ولي الأمر أن يصغي للرعية من أقصى الغرب إلى أقصى الجنوب والشمال والشرق.
عين ولي الأمر يجب أن لا تغمض وهو يرى عراقيين ينزحون من ديارهم، وعليه أن يصوم حتى يتيقن أن أبناء شعبه جميعا ناموا وبطونهم شبعى.
على العبادي أن يوقف نزوح النازحين وأن يعيد من فروا مضطرين إلى ديارهم.
ليس بإمكانه أن يفعل ذلك بغمضة رمش، وليس بمقدوره أن يقول للأشياء كوني فتكون لكن صدق النية عنوان تطمئن إليه النفوس فيتسامى المبغضون على بغضهم، ويتناسى الحاقدون حقدهم.
العبادي تنتظره مهام جسام وأمامه طريق شائك مزروع بالأشواك وليس بالورود، عليه أن يقتلع الأشواك وأن يسقي الورد حتى ولو بأدمع العيون!
علينا أن نحتفل ليس تشفياً بالمالكي فقد غادر الرجل بما له وما عليه، فإن أخطأ فالتاريخ هو القاضي ولله عين لا تنام، وإن أحسن فله من يجازيه.. فرحتنا سببها أننا كرّسنا ثقافة تداول السلطة وإن بشق الأنفس!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً