اراء و أفكـار

حب الساسة في بازار المصالح!!

عبد الامير المجر*

منَ الأمور الطريفة التي أتذكرها، ان امهاتنا القرويات في العقود السابقة، حين كن يذهبن الى المدينة للتسوق، يقعن في مطبات ومواقف، يدفعن بسببها الثمن من دون أن يعلمن بذلك.

بل انهن يشعرن بالسعادة والرضا من الذين وقفوا وراء تلك المواقف التي تحصل عندما يتسوقن من محل او دكان معين، يميل صاحبه الى ممارسة الحيل والخداع، اذ ما ان يرى صاحب المحل هذا بعض القرويات، ممن لم يعرفهن من قبل مقبلات على محله، حتى يبادر الى الحديث معهن عن محل سكناهن، وبعد ان يخبرنه بذلك، يرد عليهن بأن أمه أو جدته كانت لها صلة او قرابه بأهل تلك المنطقة أو القرية، وانه ما ان رآهن حتى رق قلبه مستجيبا للذكريات التي اودعتها امه او جدته في قلبه عن تلك المنطقة! وبهذه الطريقة يدخل قلوب القرويات الطيبات اللاتي تستهويهن مثل هذه المواقف، لاسيما اذا كان صاحب المحل يعرف بعض المعلومات عن المنطقة واهلها، ويتوسع بعض الشيء في الكلام معهن، وبذلك فهو نجح في استمالتهن الى محله، قبل ان يبدأ لعبته المتمثلة برفضه استلام النقود منهن والتي تنتهي بإنزال السعر وهو اقل شيء يقدمه كنوع من الوفاء لذكرى الجدة او الام المتوفاة! اما الحقيقة فإنه باع عليهن ما يريد بالسعر الذي أراده وربما بأكثر منه وضمن زبونات دائمات سيتكرر مجيئهن اليه في المرات اللاحقة، وكثيرا ما كنا نسمع أمهاتنا يقلن عند عودتهن من السوق بأن صاحب الدكان، بعد ان عرف بأننا من العشيرة او المنطقة الفلانية، رفض أخذ الفلوس منا او انزل السعر لنا! من دون ان يعلمن بحقيقة اللعبة التي انطلت عليهن، لأن صورة الناس عندهن انعكاس لدواخلهن النقية الطيبة، وهي بالتأكيد ليست دواخل السوق وخفاياها، مع تأكيدنا وجود من هم حسنو النيات من اصحاب المحال والصادقين في تعاملهم مع القرويات او غيرهن ولم يمارسوا الخداع والابتزاز، فالدنيا اذا خليت قلبت!

في السياسة هناك من يتعامل مع الناس على طريقة هؤلاء المحتالين والمدلسين، وان اخطر انواع الخداع في السياسة هو ادعاء دولة او جهة ما، حرصها على جماعة معينة، سواء كانت قومية او دينية في بلد آخر لوجود رابط قومي او ديني معها، وغالبا ما يكون هذا بابا للتدخل في الشأن الداخلي لتلك الدولة، ولعل الكثير من الدول دخلت حروبا او في علاقات متشنجة مع الدول المتدخلة تحت هذه الذريعة، التي كان نصيب العراق منها كبيرا جدا، بل ان اكثر مصائبنا جاءت من هذا الباب، والشواهد كثيرة والذي يريد معرفة المزيد يقرأ كتاب (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) لمؤلفه (لونكريك) وكيف كان العراقيون يدفعون الدماء بفعل تدافع الدول على بلدهم بعد ان وهنت وسقطت دولتهم التي كانت في زمن ما عاصمة دولة الخلافة التي لم تغب عنها الشمس!
لا أدري بعد كل الذي حصل ويحصل للتركمان في العراق، كيف لتركيا التي كانت تتدخل في الشأن العراقي باسمهم، ان تسكت وكأن الأمر لا يعنيها، بل ان موقفها هو الأضعف بين مواقف الدول الاخرى، وهي التي كانت تصدع رؤوسنا بالحديث عن حقهم، والامر كذلك مع المسيحيين الذين وقف الغرب المسيحي متفرجا على محنتهم غير المسبوقة في تاريخ العراق، ولم يكن له موقف حازم، بينما هب كله مدافعا عن (حقوق الانسان) في الكويت بعد أحداث آب العام 1990 ودمر العراق وحاصره ثم احتله ولم يرف له جفن على ما حصل لشعبه من مآس، لأن المصالح السياسية هي التي لعبت دورها في ذلك الهيجان الجنوني ضد العراق، وهي نفسها التي لعبت دورها الآن في سكوت تركيا على ما يحصل للتركمان وكركوك، بعد ان عقدت الصفقات التي تحقق لها مصالحها، وبذلك فإنه لا فرق بين اصحاب المحال المخادعين والمدلسين ممن كانوا يضحكون على أمهاتنا القرويات الطيبات، وبين ساسة اليوم والأمس، لأن بازار المصالح هو الأقوى من كل الأخلاق، لاسيما في عالم السياسة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً