اراء و أفكـار

الشعب العراقي النازح!

د. طه جزاع*

يَقينا إن تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية والحياتية والخدمية بمثل هذه الوتيرة السريعة والغريبة.

يجعل أكثر المراقبين للمشهد العراقي تفاؤلا لا يمكنهم أن يتوقعوا نهاية قريبة ولا سعيدة لعذاب هذا الوطن الذي يتعرض لأكبر عملية تمزيق وتفتيت وتدمير وسرقة وتهجير في تاريخه القديم والحديث، وان ما يحدث يوميا من تشريد ونزوح لمختلف مكوناته وفي مختلف مناطق النزاع والقتال سيؤدي بالنتيجة إلى تحويل المزيد من الشعب العراقي إلى شعب من المهجرين والنازحين، في مسيرة التيه العظمى التي قد تفوق في مآسيها أية مسيرة تيه عاشتها شعوب أخرى في التاريخ البشري، وهذا ما لم يكن يخطر على بال أكثر الناس تشاؤما، ولا مر في أكثر كوابيسهم فزعا ورعبا!

إن من أخطر النتائج التي تترتب على هذا الوضع اللاانساني، هو تفكك المنظومة الأخلاقية والقيمية التي تحكم علاقات الإنسان بأخيه الإنسان، وعلاقة العراقي بأرضه وأهله وتاريخه، كما إنها تطعن ذاكرته الجمعية المتوارثة التي ظلت على مدى آلاف السنين تختزن صور التعايش والمحبة والانسجام والتفاهم والمشاركة الوجدانية بين جميع المكونات العرقية والدينية والمذهبية، فإذا بها تنهار فجأة أمام مفاهيم ظالمة مظلمة تتحول فيها المحبة إلى كراهية والتفاهم إلى تنافر والتعايش إلى نزاع دموي في أبشع أساليبه وصوره الوحشية التي لا تقدس حياة ولا تقيم وزنا لأخلاقيات الحرب والسلام ولا تصون عرضا ولا مالا ولا تحترم حرمة من المحرمات، ولا تستثني شيخا أو مريضا أو عاجزا أو طفلا أو امرأة أو بريئا أو مسالما، فالجميع سواسية في محرقة الحرب البشعة التي تطحن في رحاها آخر ما تبقى من إنسانية الإنسان، وتنزع ما تبقى في قلبه من الرأفة والرحمة ليصبح مجرد ذئب متوحش متعطش للقتل والتدمير وتمزيق الأجساد وقطع الرؤوس وسفك الدماء والتمثيل بالجثث في ربيع دموي تتفتح فيه الشرور والرذائل والجرائم على أديم هذه الأرض المنكوبة التي أصبحت مأوى للإرهابيين والقتلة واللصوص والمجرمين والمتحاربين والمتصارعين الباحثين عن النفوذ والهيمنة والثروات من شتى الأعراق والجنسيات التي جمعتها شهوة تمزيق الجسد العراقي الواحد وتشريد العراقي ليصبح مهجرا ونازحا ولاجئا على أبواب السفارات والمنظمات والهيئات الدولية للخلاص من هذا الجحيم الأرضي الذي صار اسمه العراق!
لا أمل في الخلاص – إن كان ثمة خلاص – إلا بتوحد الرؤية، وفرز الخنادق، وحسن النوايا، وإزالة ما اختزنته القلوب من أحقاد وأمراض وأورام خبيثة، والركون إلى العقل والحوار الصريح، والوطنية العراقية الصادقة، ولا أمل إلا في العراق الواحد الذي يجمع أبناءه من الشتات، ويعيد إليهم الأمن والطمأنينة والحياة الكريمة.
هو بقايا أمل لا أكثر!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً