اراء و أفكـار

احتلال العراق وتكريس الطائفية

د. نافع غضب الدليمي*

احتلال العراق وتكريس الطائفية لا تكذبوا، فالاحتلال هو سبب الطائفية والإرهاب والقتل والتهجير في العراق. مسيحيو العراق لا علاقة لهم بالاحتلال، مع ذلك كانوا من أكبر ضحاياه.

فمنذ بدايته جرى تهجيرهم من البصرة وميسان وبغداد من قبل المليشيات الصفوية التي سلم الاحتلال السلطة لأحزابها وبتأييد من الجهات الساعية للانفصال في الشمال، وهذا ما أقر به القائد السابق الجنرال جورج كيسي، عددهم مما يزيد على مليون قبل الحرب انخفض إلى عشرات الآلاف الآن.

وعدد الذين هُجروا مؤخرا من الموصل حسب المصادر المسيحية نفسها 412 شخصا من 92 عائلة. وهي جريمة بغض النظر عن العدد ليس فقط بحقهم كأصلاء العراق بل بحق العراق نفسه. السؤال هو لماذا سكت العالم الرسمي والاحتلال وورثته في حكم العراق عن تهجير ما يزيد على مليون مسيحي وتحدث الآن عن بضعة مئات؟

الجواب: هو أن تهجير المسيحيين كان مبرمجا في مشروع الاحتلال بمعناهم العرقي ككلدان وأشوريين وسريان أكثر منه ديانة وذلك لإنهاء العراق أصالة ووجودا؛ لهذا لم يذكروا في التقسيم الثلاثي للمكونات ووُضعوا هامشيا في خانة عامة الأقليات مع أنهم أصالة البلد. وهـذا هو ما ينص عليه مشروع التقسيم الذي لا يزال يتبناه الممسكون بملف العراق في إدارة الاحتلال. وورد بالحرف في كتاب «نهاية العراق» الذي ألفه سفير سابق للاحتلال بناء على تجربة حرب البلقان، ذلك مقابل مصالح شخصية في شركات استثمار في نفط شمال العراق كما كشفت صحف في بلاده ودول إسكندنافية. ما يثار الآن بشأن المهجرين مؤخرا من الموصل مع تغليب هويتهم الدينية دون مئات آلاف المسلمين المهجرين سواهم ليس إلا تخريجا للمشهد الأخير من إنهاء أصالة العراق لتحميل الإسلام والمسلمين لاسيَّما في المحافظات الثائرة السبب الرئيس. وهذا بدوره مطلوب للشروع في الفصل التالي من تفكيك العراق وإنهاء وجوده، وهو مشروع مدمر لكنه سيصطدم بالواقع.

إذا أخذ في الاعتبار أن المسلمين لاسيَّما من المناطق الثائرة بما فيها الموصل يعيشون كإخوانهم المسيحيين مآسي التشرد على أمل العودة فإن الخطر الأكبر على مسيحيي الــعــراق حاليا يأتي من بعض زعمائهم السياسيين والدينيين الذي ارتضوا أن تُستغل مأساتهم خدمة للمشروع التقسيمي أعلاه. لاسيَّما لأطرافه التي تسعى علنا للانفصال وتسوق لهذا في الغرب بورقة مساندتها للمسيحيين. هذا مع علم الجميع أن أقصى ما سيفعله ساسة الغرب عندما تزداد الضغوط الإعلامية والشعبية والكنسية عليهم هو مجرد منح المسيحيين اللجوء وتغييبهم في مجتمعاتهم، وليس إلزام الاحتلال بوقف مشروع تقسيم العراق.الحل يجب أن يكون حاسما بتخلي أصحاب مشروع تقسيم العراق المحتلين والعراقيين عنه رسميا، وبــإعــادة المسيحيين والمسلمين وكــل المهجرين إلى ديــارهــم، ذلــك ليس من خــلال أعمال حربية بل عبر المنظومات المجتمعية العشائرية التي ضمنت وجودهم وتآلفهم عبر العصور ما يتطلب أولا وقف العدوان الصفوي الإيراني على المناطق الثائرة واستهدافها الجبان بالطيران والبراميل المتفجرة، فمن لا يأمن حتى على أطفاله لا يمكنه ضمان جاره مسلما كان أم مسيحيا.

عموما يُفترض بالمسيحيين في العراق والعالم العربي أن يتقاسموا مصير أمتهم. وهذا ما عبر عنه الأب نؤيل حنا في غزة الذي رفض التملق للاحتلال الصهيوني لمصالح فئوية على حساب دم مجتمعه الفلسطيني. ورفض حماية الغرب والفاتيكان وارتضى مواجهة ذات المصير مع مجتمعه الغزاوي. وفـتـح أبـــواب كنيسته لأشقائه المسلمين للصلاة بعد تدمير الصهاينة لمساجدهم، وهــذه كانت أبلغ رسالة إنسانية نقلها الإعــلام العالمي وشعر معها المسلمون والمسيحيون بالفخر والأخوة. في المقابل ترتبط بعض النخب المسيحية بحلف الأقليات الذي يُديره أعداء الأمة الصفويون بالضد من إرادة مجتمعاتهم الساعية للتحرر من الاستبداد كما يجري في سوريا، فهل يعتقد هؤلاء أن الارتباط بوزير خارجية تيار عون الموالي للنظام الإجرامي المرفوض عالميا في سوريا وإيران سيخدم المسيحيين العرب ومستقبلهم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً