ثقافة وفن

الثقافة السورية المحاصرة بين النظام وداعش تفوز بجوائز دولية

السورية
لندن – ‘القدس العربي’ ـ من حسام الدين محمد وايلي عبدو:
اقفل العام 2013 على حدثين ثقافيين موجعين داخل سوريا، خطف الناشطة رزان زيتونة ورفاقها في ريف دمشق واقتحام عناصر تنظيم ‘داعش’ المتشدد بلدة كفرنبل في ريف إدلب.
وإذ كان الحدث الأول عرّى الثورة من آخر أوراقها المدنية فإن الثاني كان تعدياً سافراً على أبرز ظاهرة فنية – ثقافية أنتجتها الانتفاضة السورية، أي بلدة كفرنبل التي ادهشت العالم بذكاء لافتاتها.
تلك البلدة سبق لها أن أنتجت فيلماً ساخراً يلخص الأحوال والمراحل التي مرت بها الأزمة السورية وتعاطي المجتمع الدولي معها. وما حصل في كفرنبل إضافة إلى خطف زيتونة لم يكن سوى نتيجة طبيعية للمسار التي وصلت إليه الثورة السورية بسيطرة الإسلاميين عليها ومحاولتهم تفريغها من أي بعد مدني وإبداعي. الكاتب والمعارض السوري ياسين الحاج صالح والذي اختطفت زوجته مع رزان زيتونة وجد نفسه هارباً من مدينته الرقة إثر سيطرة الإسلاميين عليها، هكذا شكل المتشددون بيئة طاردة للثقافة والمثقفين في المناطق المحررة. تماثيل أثرية دُمرت لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية كا تفهمها ‘داعش’، وصحف مدنية صُودرت على الحواجز بسبب على التزامها بالقوانين الظلامية.
التعويل على ثقافة مضادة للنظام في المناطق التي خرج منها، بدا أمراً صعباً لاسيما وأن الثقافة ذاتها بمختلف مجالاتها لم تكن أولوية في حياة السوريين الذي يعيشون مفاعيل الحرب ومآسيها. إضافة إلى ضعف الحضور المؤسساتي للمعارضة الذي كان من الممكن أن يشكل حاضنة للعمل الثقافي. لكن هذا المنع الممنهج ضد بروز أي ملمح ثقافي الداخل، تم تعويضه خارج سوريا. ذاك أن صناع الثقافة السورية من فنانين وموسيقيين ومسرحيين وكتاب وشعراء نقلوا محترفاتهم الإبداعية إلى الدول التي استقروا فيها بعد مغادرتهم بلادهم. إلا أن هذا التعويض كان كمياً يخضع لاشتراطات المؤسسات التي تموله.

تشكيل

المعارض التشكيلية السورية التي أقيمت في صالات بيروت انتمت بمعظمها إلى مرحلة ما قبل الثورة. لم يتسرب سوى القليل من مشاهد الواقع السوري إلى لوحات الفنانين السوريين. الشباب منهم استمروا في تتبع حركة السوق وتقديم ما يلائمها. مستسلمين لخيالهم السابق وتصوراتهم النمطية. أما الفنانون الكبار فعمدوا إلى تغيير موضوعاتهم مستخدمين التكنيكات والأساليب ذاتها. وعلى مستوى التشكيل أيضاً، لابد من التذكير باعتقال الفنان يوسف عبدلكي عند احد حواجز النظام في مدينة طرطوس ليصار لاحقاً إلى اطلاق سراحه.

مسرح

حال المسرح لم يكن أفضل. اتخذت بعض العروض من تيمة الثورة موضوعاً لها لكن ذلك لم يترافق مع أي رؤية فنية تجديدية. على العكس سجل المسرح انحداراً ملحوظاً على مستوى الأداء والإخراج، وكأننا نستعيد مسرح القضية الذي يهمل الجانب الفني لصالح الجانب السياسي. ويبقى الحدث المسرحي الحزين في هذا العام رحيل الفنان نضال سيجري الذي برع في أدائه المسرحي.

السرد

بدأ 2013 على المستوى السردي بكتاب ‘تقاطع نيران’ للروائية سمر يزبك. أرادت أن تحول يوميات الثورة وتفاصيلها إلى شهادة قوية تؤكد للعالم أن ما يحصل في سوريا انتفاضة سلمية هدفها الحرية. البعد التوثيقي للكتاب ساهم في زيادة جرعة المصداقية التي يحملها. دخلت سمر إلى أعماق الصورة، كتبتها بلحمها ودمها. لكن الكتاب بقي عند هذه الحدود ولم تتعمق كاتبته لتقديم رؤية أدبية مختلفة. اختار عمر قدور في روايته ‘من لا يعرف سيمون؟’ أن يبتعد عن الحدث المباشر للثورة عبر التركيز على الدمار الذي حلّ بالبلاد عبر الشبكة المافيوية المتحالفة مع السلطة.
على النقيض من مها حسن التي بدت في روايتها ‘طبول الحبّ’ أقرب إلى الثورة . وعبدالله مكسور الذي اتخذ من حي بابا عمرو الحمصي مسرحاً لروايته ‘أيّام في بابا عمرو’ ليلحقها برواية ثانية بعنوان ‘عائد إلى حلب’. وكان من الطبيعي من زمن الثورة على الاستبداد أن يتم العودة إلى أدب السجون، حيث نشر فرج بيرقدار الشاعر والسجين السياسي السابق، كتاب ‘خيانات اللغة والصمت – تغريبتي في سجون المخابرات السوريّة’ موثقاً في صفحاته تفاصيل الموت البطيء في المعتقلات السورية. كذلك فعل رياض معسعس في روايته ‘حمام زنوبيا’، إلا أن التجربة المتفردة في هذا المجال كان كتاب ياسين الحاج صالح ‘ بالخلاص يا شباب’ ولأول مرة في كتابات السجن السوري لا يكتفي المؤلف بسرد الوقائع وإنما يتجاوز ذلك نحو تأويل الحدث السجني وفلسفته. وانتهى العام بنيل الروائي خالد خليفة جائزة نجيب محفوظ للرواية عن كتابه ‘لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة’.
ورغم أن رواية خليفة لم تقترب من حدث الثورة بالمعنى المباشرة لكنها كانت مهمة جداً لفهم جذور هذا الحدث. بالعودة إلى اللحظة الأولى لوصول البعث إلى السلطة ورصد الخراب والدمار الذي حل بالبلاد. عبر رسم صورة بانورامية عن مدنية حلب والتحولات التي طرأت على مجتمعها.
لم يتناسب حجم الانتاج الروائي مع ذلك الذي صدر من مجال الشعر، إذ بدت مخيلة الشعراء فقيرة أمام الحدث السوري، الشعراء المكرسون مارسوا الشعر بمرجعيّاتهم القديمة نفسها. أما الجيل الشاب فاختار التعاطي المباشر مع الواقع . حيث وضع ياسر الأطرش عبارة ‘أنا إنسان’ عنوانا لمجموعته الشعرية مستعيناً بالقسم الأوّل من كلمة المواطن السوريّ أحمد محمد عبدالوهاب ‘أنا إنسان ماني حيوان’. في حين كرس حسين حبش مجموعته لرصد أحوال الطفولة السورية والمأساة التي دخلت بها.

صحف ومجلات ثورية

شهد عام 2013 أحداثاً ثقافية سورية مهمة بينها اصدار مجلات ثقافية وفكرية وصحف وفضائيات ومواقع الكترونية واذاعات ومسرحيات وأفلام ومعارض فن تشكيلي وفعاليات فنية ثقافية وأمسيات شعرية.
وعبّر بذلك المجتمع المدني السوري عن تفاعله الابداعي والخلاق مع تطورات الثورة السورية والرغبة في خلق بلد جديد يتمتع بحريات التعبير التي حرم منها المجتمع السوري قرابة نصف قرن.
من أبرز المجلات التي صدرت كانت مجلة ‘أوراق’ التي أصدرتها رابطة الكتاب السوريين ورئس تحريرها د. صادق جلال العظم وصدر منها عددان، وكذلك مجلة ‘دمشق’ التي رئسها الشاعر نوري الجراح وصدرت منها عدة أعداد، كما صدرت أيضا مجلة ‘كش ملك’ الساخرة والتي رئس تحريرها القاص خطيب بدلة.
كان لتأسيس رابطة الكتاب السوريين عام 2012 ثم رابطة الصحافيين السوريين دور كبير في رفد المشهد الثقافي والصحافي والفني السوري، واضافة الى الحراك والنقاشات والجدل الذي اثاره تأسيس الرابطتين (ودفع الى تأسيس عدد آخر من الروابط) ثم تأسيس مجلة ‘الرابطة’ التي توقفت بعد العدد الأول ثم ظهرت مجلات ‘اوراق’ و’دمشق’ و’بناة المستقبل’ والمجلة الالكترونية ‘كش ملك’ كما عادت، تحت إشراف رابطة الكتاب، جائزة المزرعة للرواية التي ستصدر نتائج دورتها الأولى في 17 نيسان/ابريل 2014. خلق كل ذلك فعاليات جديدة وأفكار أخرى، حيث شاركت رابطة الكتاب في تنظيم فعاليات ثقافية في الدوحة وباريس ولندن وفي إطلاق ظواهر ثقافية وفكرية جديدة.
كما شارك أعضاء في رابطتي الكتاب والصحافيين السوريين في تأسيس معهد سوري للاعلام في باريس انتخب فيه حسام الدين محمد رئيساً للمعهد وأشرف من خلاله، مع عضوي رابطتي الكتاب والصحافيين عمر الأسعد وغياث الجندي والناشطة الحقوقية اليمنية مها السبلاني على تأسيس مجلس ادارة للمعهد واذاعة ‘روزنة’.
واضافة الى قناة ‘اورينت’ واكبت الثورة عند ظهورها وانعكس ذلك تغييراً جذرياً على برامجها وأدائها، انضمت قنوات أخرى بينها سوريا الثورة وسوريا الغد.
وبين المشاريع الشديدة الأهمية كان ظهور جريدة ‘الجمهورية’ الالكترونية التي تعبّر عن خط فكري واضح ينظّر ويحلل قضايا سوريا والعالم.
من الأعمال المسرحية اللافتة كانت مسرحيتا محمد العطار ‘فيك تطلع بالكاميرا’ و’نساء طروادة’، ومسرحية خلف احمد الخلف ‘حقيقتان وممثلة واحدة’، كما ظهر عدد من الافلام بينها ‘الغناء للحرية’ لباسل شحادة، و’ذكريات على الحاجز′ لتامر العوام.
شارك الفنانون التشكيليون السوريون بقوة في التعبير من خلال النحت والتصميم والرسم والكتابة في الثورة السورية وتعرّض بعضهم للاعتقال مثل يوسف عبدلكي، او للمطاردة التي أدت لمقتل شقيقه مثل عاصم الباشا.
تركت الثورة السورية آثاراً هائلة على الجسم الثقافي السوري، فتعرض كتاب وشعراء وصحافيون ومثقفون لقمع وخطف واعتقال وقد اتسعت القائمة في العام 2013 وزادت قائمة الذين اعتقلوا وعذّبوا أو قصفوا او تم اغتيالهم.
أول ضحايا الأدب السوري خلال الثورة كان القاص والشاعر أبو الخير البيريني، تلاه لاحقاً القاص ابراهيم خريط ثم القاص محمد رشيد رويلي ثم الشاعر محمد وليد المصري، وفي المعتقل، تمت تصفية الكاتب والمترجم محمد نمر المدني، الذي قيل إنه كان يعمل لصالح قناة ‘فرانس 24′ بحسب ناشطين… وكان آخر من التحق بقافلة الراحلين القاص حسن الرفيع، بالإضافة لكتاب آخرين لقوا مصرعهم في سوريا كالكاتب الشهير انتوني شديد الذي ألف قبل مصرعه في سوريا كتابه ‘بيت من حجر’، الذي كتبه على شكل مذكرات يروي فيها أحداثا دامية في لبنان والعراق وليبيا وسوريا.
وتضم قائمة المعتقلين من الصحافيين كلاً من: اكرم ابو صافي (اردني)، آمنة عبد الكريم ملحم، بشير فهمي (فلسطيني)، بلال أحمد بلال، جهاد أسعد محمد، جهاد جمال، جويد أولان (تركي)، جيمس فولي (امريكي)، صبحي نعيم العسل (اردني)، عادل وليد خرسة، عامر عبد السلام، علي يونس، عمر بريك، قتيبة مرعي، كمال شيخو، مازن درويش، ماهر ذيب، محمد حسين طعمة، محمد دحنون، محمد زيد مستو، محمود نوارة، مصعب روضان السعود، منيرة وليد الحاج، مهند محمد عمر، مهيب سليمان النواتي، موسى الخطيب، مؤمنة محمد عرنوس، نبيل الشربجي، نزال عادلة، نوبار فرحان اسماعيل، وائل وليد اسعيد، وهؤلاء كلهم صحافيون او يعملون في وسائل اعلامية.
أما عدد الصحفيين الذين قتلوا خلال تغطيتهم للنزاع في سوريا فهو حوالي 63 صحافيا.
هذا العدد الكبير من القتلى الصحفيين في سوريا لا يروي القصة كاملة، نظرا للعدد غير مسبوق منهم والذين تعرضوا للاختطاف خلال عام 2013، فقد اختطف نحو 60 صحفيا على الأقل لمدة وجيزة خلال السنة، حسبما توصلت إليه أبحاث لجنة حماية الصحفيين. وهناك حاليا نحو 30 صحفيا في عداد المفقودين، آخرهم كانت الصحافية شذا المداد، التي مر أكثر من 135 يوماً على اعتقالها، وقد أمر قاضي محكمة مكافحة الإرهاب باستمرار توقيفها.
بين الكتاب انضاف اسم اسامة شماشان الذي اعتقل عام 2013 الى زملائه المعتقلين في السنتين السابقتين ومنهم زاهي نوفل وصلاح صبحية وعروة المقداد وعلوان زعيتر وعلي سعيد الشهابي وعمر كوش ومحمد ديبو ومعين الملحم ومهيب سلمان النواتي ويوسف عويد الصياصنة.
وفي ميدان الفن تعرض عدد كبير من الفنانين المعارضين للنظام للاعتقال فيما هرب عدد كبير منهم الى خارج البلاد، نذكر منهم: سهير كوكش (اعتقلت مؤخرا) وزكي كورديللو، عمرو كوكش، مهيار كورديللو، نبيل سايس، حمزة قاسم قداح، نعيم الشيخ، عبد الله حكواتي، محمد فتيان ووائل القاق.
في حين سقط المخرج السينمائي باسل شحادة بشظايا قذيفة أطلقها النظام أثناء تغطيته للأحداث في حمص، وكذلك كان مصير المخرج السينمائي الشاب تامر العوام، الذي قتل في مدينة حلب أثناء اشتغاله على وثائقي عن الثورة السورية، كما رحل الممثل الشاب طارق سلامة مع ابنه في مخيم اليرموك لدى محاولتهما الهرب من المخيم الذي اشتعل بمواجهات بين الجيش الحر وجيش النظام. كما خسر السوريون الفنان الكوميدي الشهير ياسين بقوش بعد تعرّض سيارته لقصف أودى بحياته.
شهد عام 2013 ظاهرة جديدة وهي قيام بعض التنظيمات السلفيّة المسلحة باعتقال وتصفية اعلاميين كان بينهم فريق عمل أورينت نيوز، ومراسلة لموقع زمان الوصل، واعتقال الصحفي محمد السلوم عضو رابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير مجلتي الغربال وزورق (للأطفال).
هذا الاستعراض السريع لبعض منجزات السرد والشعر خلال العام الماضي يكشف أن الكتابة الابداعية السورية بقيت أسيرة زمنها السابق على الثورة رغم أنها اتخذت من الاخيرة موضوع لها. فالتقنيات والرؤى الأسلوبية لم تتبدل. هذا الأمر ينسحب كذلك على بقية مجالات الثقافة في سوريا، فالثورة حتى الآن لم تؤسس لمنطقها الابداعي الخاص الذي يقطع مع الماضي البعثي ويفتح الأفق لنقيضه. وقد يكون من الخطأ اعتبار ما يصدر من أعمال سردية وفنية لحظة مفصلية في تاريخ الثقافية السوري . كل ما في الأمر أن موضوعات جديدة قد برزت وباتت تتصدر معظم المنجزات الثقافية، موضوعات تتصل بمجملها بواقع الثورة وتردداته. لكن ذلك لا يؤسس لانقلاب في الثقافة السورية التي بدت خلال العام الماضي محاصرة بين تنظيمات إسلامية تمنع بروزها في الداخل وضعف في مخيلة صناعها الذين يقيمون في الخارج، إضافة إلى النظام نفسها الذي حاول أن ينعش ثقافته عبر نشر كتب وصناع أفلام تبشر بنهاية الأزمة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً