اراء و أفكـار

حذار قتل ماجد الماجد!

ابراهيم الأمين*

الحكايات كثيرة عما قام به السعودي ماجد الماجد، سواء خلال انخراطه في النشاط الواسع لتنظيم «القاعدة»، أو عندما تولى إمارة «كتائب عبد الله عزام»، وصولاً الى دوره في مساعدة قوات «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في سوريا. والأكيد، أن عشرات اللبنانيين والسوريين وغير العرب كانوا ضحايا أعمال إرهابية، كان للماجد دور فيها، تخطيطاً أو تمويلاً أو تجنيداً أو تجهيزاً.
الأمنيون الذين عملوا على ملف الرجل، يشهدون بأن حضوره قوي بين أنصاره ومريديه. وأن العاملين معه، نفذوا أعمالاً تدل على قناعتهم وإيمانهم به، الى حدود الاستعداد للتضحية بأنفسهم من أجله. وكان آخر الأمثلة، الفريق المؤلف من سبعة رجال على الأقل، الذي تولّى عملية تمويه لإعادة الماجد من رحلة علاجية في بيروت إلى مقر إقامته في مخيم عين الحلوة، أو أحد أحياء مدينة صيدا. كان مرافقو الماجد على علم بورود معلومات إلى الأجهزة الأمنية عن مرضه. وهذا ما زاد الشكوك لديهم، ودفعهم إلى اجراءات إضافية، بما في ذلك وضع خطط لإنقاذه إذا تعرّض لمحاولة اعتقال أو قتل. وخسر أربعة عناصر من هذا الفريق حياتهم، مقابل توفير «مناخ آمن» لانتقال الرجل.
الماجد، بحسب الخبراء في هذا النوع من التنظيمات، يملك أسرار مرحلة طويلة تمتد نحو عشر سنوات على الأقل من العمل المباشر. ومن رحلة قادته من السعودية إلى العراق فسوريا ولبنان، كما كانت له جولات في أفغانستان وباكستان. وهو تعرّف على عدد غير قليل من الكوادر الذين التحقوا بتنظيم «القاعدة»، وكان له دوره المحوري في إعادة جمع أعضاء في أطر لامركزية قامت بعد احتلال أميركا لأفغانستان، وتشتت الجسم القيادي لـ «القاعدة».
المعلومات المفترض أنها في حوزته، تشمل الكثير عن فريق كبير من الكوادر، وعن آليات العمل، وعن شكل الخلايا النائمة وأهدافها، وعن التعديلات التي طرأت على العمل بعد الغزو الأميركي للعراق، ثم بعد نشوب الأزمة السورية، كما له معرفة عميقة بآلية وصول الأموال إلى قادة التنظيم وأفراده، وكذلك حول وجهة الانفاق، وحول عناوين سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية ساعدت التنظيم على الحركة في أكثر من مكان، وخصوصاً في لبنان. وهو من أكثر العارفين بجدول «الرحلات الجهادية» الى سوريا قبل نشوب الأزمة وبعده. ولديه أيضاً سجل حول عمليات التجنيد المكثفة التي جرت مع شبان كانوا في فلك الشيخ أحمد الأسير. والأهم أن الماجد، برغم مرضه، ظل على تواصل مع الخلايا التي طلب إليها بدء العمل ضد حزب الله والجيش اللبناني في كل المناطق اللبنانية. ويملك الرجل كل شيء، ربما، عن «بنك الأهداف» الموجود لدى جماعته. وهو فوق كل ذلك، يعرف الأسرار الأهم، حول التقاطعات مع أجهزة وحكومات عربية وغربية، ولا سيما رجال آل سعود في بلاد الشام والعراق.
وبقدر ما كان الماجد هدفاً كبيراً ومركزياً، عملت عليه أجهزة كثيرة في العالم وفي دول المنطقة، وبقدر ما كان توقيفه إنجازاً كبيراً بمعزل عن أسباب نجاحه، فإن ضباباً كثيفاً يلف حالته اليوم، ما يستدعي احتمال القول: إن اعتقاله كان أمراً صعباً على من تولى المهمة، وانه صار عبئاً!
منذ توقيفه ليل الخميس ما قبل الفائت على يد دورية من استخبارات الجيش اللبناني داخل سيارة اسعاف على طريق بيروت ـــ شتورة، لجأ الجيش إلى الصمت المطبق. وربما هذا تدبير تقليدي في عالم أجهزة الأمن، وخصوصاً أن الصيد له خصوصية، وقد تحتاج المؤسسة العسكرية إلى وقت لاتخاذ الاجراءات المناسبة لتأمين مكان توقيفه، وابقائه بعيداً عن أعين وأيدي من لا يريدونه في السجن حياً… أو يريدونه ميتاً!
لكن بعد تسرب الخبر، ظل الغموض يسيطر على اداء الجيش. تصريحات وتسريبات ومعلومات متضاربة، تعود كلها إلى خلاصة واحدة: من الذي يقلق من جراء هذه الخطوة؟ وقد وصل الأمر بعناصر جهاز أمني آخر غير الجيش الى التعبير عن حالة القلق بالقول: جيد انه في قبضة الجيش، فلو كان مع غيره، ولا سيما مع فرع المعلومات، وأصابه سوء، لما كان أحد في العالم سيصدق انه في وضع صحي صعب يقود الى موته!
اليوم، يقف كثيرون في الدولة أمام استحقاق كبير. شائعات كثيرة وتسريبات غير صحيحة تنتشر حول صحة الماجد. من القول انه دخل في غيبوبة شبه كاملة منذ ما قبل توقيفه (وهذا غير صحيح)، الى القول انه واجه تردياً متسارعاً خلال الأيام التي تلت توقيفه، وانه في وضع لا يتيح الاستماع إليه أو استجوابه، وان هناك مؤشرات تقود الى احتمال دخوله في «كوما»، أو أنه يعيش ساعاته الأخيرة.
لكن، ثمة أسئلة ولفت انتباه، من الضروري رفعها الآن، في وجه المسؤولين عامة، لكن في وجه الجيش أساساً، وفي وجه قائد الجيش العماد جان قهوجي، ومدير الاستخبارات العميد ادمون فاضل، وآخرين في الدولة:
إن حياة الماجد، والوصول الى كنز أسراره، يساويان الكثير الكثير. وان أي محاولة، من قبل جهات خارجية، تأتي على شكل توصيات أو تمنيات أو إشارات للتخلص منه، ستكون الإشارة الأكثر سلبية، وستنعكس على الجيش، وعلى سمعة قيادته، وعلى الوضع الأمني في لبنان. وان مجرد الاستماع الى «السعوديين الجدد» في لبنان، سيرسم علامة استفهام كبيرة حول أمور تتجاوز المصالح الذاتية والآنية. ان ترك الماجد يموت، أو عدم القيام بما يلزم لابقائه على قيد الحياة، سيكون الجريمة الأكبر، التي تساوي جرائم الإرهاب التي قام بها الماجد ورفاقه. وثمة جمهور في لبنان، ولا سيما جمهور المقاومة الموجود اليوم على مهداف هذا التنظيم، سيكون في حال إهمال الماجد، أمام استحقاق الموت المفتوح…
لا شيء يمنع رفع الصوت عالياً والقول: أنقِذوا حياة الماجد، واعملوا على توفير كل مستلزمات بقائه حياً… وحذار، حذار من تركه يموت، مرضاً أو قتلاً!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً