اخبار العراق

“داعش” وحزب “الدَّعوة” الإسلاميان … منافع وهدايا متبادلة

341143_troops on syria

لا استثني أحداً بالقول: إن الإسلاميين، أحزاب ومنظمات كافة، هم مِن أرومة واحدة، مِن ناحية شرعنة العنف، والشُّعور بالفوقية الإلهية، وبسط سلطة الدِّين، الذي يناسبها، على النَّاس. قد تختلف درجات في قربها وبُعدها مِن ممارسة الإرهاب، يُحددها الظَّرف الذي تعيشه، لكنها لا تلغيه مِن تصورها.
أقول الأرومة واحدة فكلها تغذت مِن ثقافة سيد قطب، ولو كان لأحدنا الاستعداد وحصل على ثقافة في “معالم في الطَّريق” لما تأخر عن تكفير المجتمع بالكامل، وإن لم يعلن ذلك، والتَّحول إلى الجهاد الدَّعوي، ويكون مَن ليس معنا ضدنا. فمثلما تكون الدِّيمقراطية غريبة على منظمة ارهابية كالقاعدة مثلاً، وفرعها داعش، فهي قريبة بالمسافة نفسها على حزب الدَّعوة الإسلامية، فقد قلنا أرومة واحدة، إنها الرُّوح التي يسمونها بـ”الرِّسالية” وأولئك يسمونها بـ”الجهادية”، لكن المشرب واحد.

إنها كتب أبي الأعلى المودودي (ت 1979) وكتب سيد قُطب، التي تقضي بأحقية الإسلاميين في إدارة البلدان، وتفضي إلى نزع حدود الأوطان أو نهاياتها، أمام العابر الآيديولوجي، عابر الحدود. فذلك أن الأجنبي المتفق مع الدَّعوي فكراً وتوجهاً أقرب كثيراً إليه مِن العِراقي، بل ويتفق معه، فالتنظيمات هذا الحزب لم تبق عِراقية وإنما تفرقت على البلدان، قد يجوز له هذا وهو في المعارضة لكن كم هذا خطيراً وهو في السلطة، وهو ما جعل أركان الدعوة الإسلامية يستنفرون عندما طُرح موضوع صور الغرباء.

حضرت حفلاً لسفارة عراقية ووجدت أحد الإسلاميين المعارضين مِن بلد آخر مدعواً، مع أن الدَّعوة كانت خاصة بالعراقيين، وعُقدت تحت هذا العنوان؟ فماذا يفعل هذا المعارض في دعوة عراقية صِرفة؟ إنه العبور الفكري والسِّياسي إلى ما بعد حدود الأوطان! فالقضية ليست دعوة إفطار إنما هو الأقرب منا جميعاً على الداعي لهذه المناسبة!

كذلك في أيام حكومة الإخوان بمصر، فتحت البلاد على مصراعيها لبقية التَّنظيم الدُّولي، فهم أقرب إلى رئيس مصر الإخوان مِن مواطن مصري، لهذا هاج الإخوان هياجهم، وتحولت مصر إلى خلايا للإسلاميين مِن مختلف دول العالم. خذوا تركيا الآن في ظل حكومة الإخوان، المؤتمرات التي تُعقد فيها ليل نهار، بماذا تُفسر. إنها الآيديولوجية العابرة الحدود بل والطوائف أيضاً. تذكروا معنا كلمة أمين حزب الدَّعوة الشِّيعي الحالي عندما عيَّرَ مواطنيه العِراقيين، مِن غير الإسلاميين، بفوز الإسلاميين المصريين والتونسيين السُّنَّة طبعاً، حتى أطلق، وهو رئيس وزراء العِراق، كلمات نابية ضد غير الإسلاميين، سماهم بالملحدين!

يقول المودودي عن الحاكمية، التي يؤمن بها حزب الدَّعوة وداعش معاً وبقية الإسلاميين، مع اختلاف الظروف والدرجات: “هذه المسألة يُجيب عليها القرآن بجواب قاطع واضح كل الوضوح، وهو أن الحاكمية بكلِّ معنى مِن معانيها لله تعالى وحده، فإنه هو الحاكم الحقيقي في واقع الأمر، ولا يستحق أن يكون الحاكم الأَصلي إلا هو وحده، مَن أراد أن يفهم هذه الكلمة حق الفهم فعليه أن يُدرك أولاً كلمة الحاكمية ومدلولها إدراكاً تاماً”(المودودي، تدوين الدُّستور الإسلامي (1952)
إن كلام المودودي، وردده مِن بعده سيد قطب، يتمثل به الإسلاميون كافة، مع اختلاف الدَّرجة وتباين الظَّرف كما قلنا. لذا إن موضوعهم مع الدِّيمقراطية موضوع إجراء لا فكر، وقد صرح أحد قيادات حزب الدَّعوة الإسلامية، الذي ينضح سماً ضد المختلفين معهم، قائلاً: الدِّيمقراطية مرحلية بالنِّسبة لنَّا! أي لقيام دولتهم عند التمكن. كذلك الإخوان أرادوها خطوة لدولتهم، لكنهم استعجلوا بمصر وأرادوا أن يقيمونها قبل الأوان، فحصل ما حصل.
لا أريد مناقشة “الحاكمية”، كمصطلح استحواذي باسم الله، لكن ما أراده المودودي الهندي وتبعه عليه قطب المصري هو حكم القوة والهيمنة بسمه تعالى، ولعلي بن أبي طالب (اغتيل 41 هـ) قولاً بليغاً، لا يعطي لا لحزب المالكي ولا جماعة المودودي الحق في التَّحكم باسمه: “هذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين، لا ينطق، إنما يتكلم به الرجال”(نهج البلاغة).
عندما دخل حزب الدَّعوة الإسلامية إلى مجلس الوزراء أول انجاز له هو تغيير المرافق الصحية إلى شرقية! هذا هو حدود انجازهم. وجرت محاولاتهم لأسلمة المجتمع، بطريقة وأخرى، وهم بالمعارضة ينادون بحجاب بنات الجامعة فكيف عندما صاروا في السلطة؟
أرى الحدود بين داعش وحزب الدَّعوة شفافة، تمتد عبر فكر سيد قطب وأبي الأعلى المودودي، فروح الجهاد ضد الآخر الخصم الفكري هي الأصل، وبطبيعة الحال يختلف نوع الجهاد بين القابض على السُّلطة والساعي إليها، فالتفجيرات التي يفعلها الإرهابيون اليوم، وهي منسوخة مِن جهادية قطب، ودعواه بجاهلية المجتمع، هي ذاتها عند الدَّعوة.

أتذكر جيداً أن قيادياً في هذا الحزب وصار قيادي في الدَّولة العِراقية، دخل يوماً إلى معرض كتاب، فأشار إلى الكتب غير الإسلامية بلفظة “هذه سموم”، فكيف يطمئن لمثل هذا الرَّجل أن يتسيد على ثقافة مجتمع، وأن ينهض بوجوده العِراق! وآخر وهو، دعوي أيضاً، والآن تراه منصوباً على رأس أعرق مؤسسة علمية في تاريخ بغداد، عندما طُولب بإرجاع كتاب كان قد استعاره، ووجده لا يناسب فكره الديني الفئوي، رفض إعادته، قائلاً: مثل هذا الكتاب يجب أن يُحرق! ولم يعده.

ما بين داعش وحزب الدَّعوة هدايا ومنافع؟ فنوري المالكي، خلال هذه السَّنوات الثَّمان، لم يفكر بإعادة ترميم مبنى للسينما، ولا دار لفنون، ولا تشجيع لأدب وفكر ، يقلل مِن تبعات الأيام الخوالي، إنما أنطوى على سلفيته، والسلفية للعِلم غير محتكرة مِن قِبل مذهب دون آخر، إنما هي الأخرى عابرة للمذاهب.

إن سرعة هدم المرافق الصحية الغربية، تنبيك كم هؤلاء عاجزون عن تخطي ذواتهم؟ فصاروا امتداداً بدرجة أشد للحملة الإيمانية (1994)، وهم ليسوا أفضل مِن السَّابقين في حملاتهم الإيمانية إنما أشد وأفتك منها، فقد حلَّت تقاليدهم ونزواتهم الفكرية، وهذا ما نشأوا عليه. مَن يستبدل المرافق الصحية بتقليده كيف يُرجى منه إعادة إعمار سينما أو مسرح أو مركز فنون، لأنها تنمي عقلاً آخر يتقاطع مع ثقافتهم التي سودوا بها وجه البلاد.

قدمت داعش بوجودها وبعملياتها منفعة كبرى لحزب الدَّعوة ممثلاً بنوري المالكي، ألا وهو تكميم الأفواه، واعتبار أي تظاهر هو ساحة للإرهاب، ولا يُكافح الإرهاب إلا بغلق السَّاحات. لو صدقنا أن ساحات اعتصام المنطقة الغربية تأوي ارهابيين، فما شأن ساحة التَّحرير، عندما أتى نوري المالكي بعشائر الاسناد، وفعل ما فعله نظام مصر قبل السابق، وما عُرف بموقعة الجمل؟ فقيسوا كم قَدم الإرهابيون مِن منافع لحزب الدعوة ومراجعه وقادته؟ لقنوا أتباعهم يقولون: أن التظاهرات تُستغل من قبل القاعدة والبعثيين؟ وكيف يطالب النَّاس بحماية ثروات البلاد مِن فسادهم ؟

مِن جهة أخرى أن تحريك الجيش، إذا كان هناك جيش عراقي نظيف مِن التكتلات المتخلفة، إلى المنطقة الغربية، وبهذا الإعلام الفاضح، أعطى لداعش وبقية الإرهابيين سنداً مِن داخل مجتمع تلك المناطق. فالقضية يفسرها الطائفيون بأن الشِّيعة هجمت على السُّنَّة! وفي هذا فائدة مزدوجة للمالكي في الحرب مِن أجل ولاية ثالثة ولداعش أيضاً طول العمر. بينما لا تحتاج الحرب على الإرهاب جيوشاً وطائرات وعساكرَ “سوات”، التي قتلت باستهتارها مدرب فريق كربلاء، وراح دمه مهدوراً بلا حِساب أو كتاب. تحتاج إلى أصحاب خبرات، فمِن الصعب أن يكون المضمد والبقال مسؤولاً عن أمن البلاد!

لمَن يريد مقابلة الحوادث يخرج بنتيجة أن غزو الجيش العراقي (أذار 1991) بما عُرف بالانتفاضة الشعبانية، للقضاء على الإرهاب والتمرد! ألم تكن الأهوار وبساتين النّخيل مليئة بالمقاتلين، مِن ميليشيات الأحزاب التي في السلطة الآن المدعومة مِن دولة أجنبية العراق كان في حرب معها، وبهذا برر النِّظام السابق بأن ذلك إرهاب ضد البلاد، والفرق أنه لم يدع الدِّيمقراطية إنما تغنى بالدكتاتورية.

فلننظر إلى الأمر معكوساً، ونحن في نظام يجاهر بالديمقراطية وبرفض الدكتاتورية، ألم يفسر حزب الدَّعوة وبقية المعارضين آنذاك بأنه كان اجتياح سُني للمناطق الشِّيعية؟ بينما بعثيو تلك المناطق مِن الشيعة لعبوا دوراً في اخضاع تلك المناطق للسلطة؟ فكيف لا يفسر تحرك الجيش، وبقائد شيعي، بأنه ضد المناطق السُّنية على أنه ليس ضد السُّنَّة؟! ألم تقف هذه المعادلة في الذهن؟

إن تحريك الجيش في ظل الحمأة الطائفية، التي يعززها أركان حزب الدَّعوة الإسلامية يومياً، لا يُفسر إلا بانتقام طائفي. فكم وجب أن يكون الميزان دقيقاً، ومحسوباً؟ لكن الحلول لصالح البناء لا تأتي مِن ناس فقدوا الميزان، وظل هم صاحبهم كيف يبقى رئيساً للوزراء لزعامة ثالثة! فيا خسة البضاعة؟ الجيش والشرطة اللذان قال عنهما المالكي يخافون مِن مقاول جماعات أمنية، وهو يتحدث عن شجاعة ولده، لا أظنه سيقف “داعش” عند حدودها، إنما سيتبادل معها المنافع والهدايا!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً