اراء و أفكـار

حرب (تقسيم) البلاد (خيانة عظمى)

حين راح “الجيش العراقي” الى صحراء الانبار، كان هناك ثمة أملٌ طافحٌ في ان يحقق نصراً حقيقياً على القاعدة.
الناس كانت تبحث عن اي ذريعة لإستعادة الروح الوطنية المُضاعة, فالشارع الذي كان يتذمر من عسكرة المدن، وسوء تعامل “الجيش” مع السكان، ارتفع فيه منسوب “الحب” للعساكر المتوجهين الى الصحراء، دفاعاً عن البلد، وقصقصة اذرع الاخطبوط “الداعشي” الذي يضرب دون رادع بمفخخاته المزنّرة بالنار والموت الابرياء، من سُنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين، ايزيديين وصابئة، ومن عرب وكرد وتركمان. فالتنظيم الارهابي له اجندته المخلصة للدمار. ويعي تماماً ان الناس تخشى المواجهة في ظل دولة ضعيفة، وحكومة متهالكة، واجهزة أمنية تتحكم بها مراكز قرار عدة. لكن بدل ان يُكمل “الجيش” مهمته ويقضي على وكلاء الموت، وجهته السلطة الى مهمة اوقعته في فخ، افلت مدن المنطقة الغربية من يده، لتخرج عناصر(داعش) وعلى رأسهم (شاكر وهيّب) او كما يحلو لجماعته في (معسكر الشيخين) تسميته بـ”صگار الخط السريع” متجولاً في الفلوجة برتل كبير. يحرق مقرات سلطة الدولة. فما الذي حققته الضربة العسكرية؟ واي نصرٍ ننسبه الى القائد العام للقوات المسلحة؟

من المُخجل والمؤلم، ان نجد انفسنا امام استهتار حكومي بأمن البلاد ومواطنيها.

فخلال عامين فقط نفّذ تنظيم القاعدة، اكثر من 2000 هجمة دامية، خلّفت اكثر من 6000 الاف شهيد عراقي، واكثر من 20 الف جريح، فضلا عن 100 الف اصابة نفسية بالغة نتيجة الانهيار العصبي، جراء العنف المتلاحق. لكن الاقسى من كل ذلك الان في هذه اللحظة الحرجة والمفصلية من تاريخ العراق الحديث، بتنا امام اخطر تحدي يواجه هويتنا الوطنية والجغرافية.

ولعل الشارع الذي يحلم بمؤسسة عسكرية حقيقية يريد ان يرى نموذجاً عن (جان قهوجي اللبناني، عبد الفتاح السيسي المصري، رشيد عمار التونسي)، ويحاول ان يُقنع هواجسه المضطربة بأن ثمة حكيما يلملم شتات هذا الكابوس الامني والتصدع الوطني. غير ان عقوداً من تحطيم “الدولة” وتأسيس التفرّقة المناطقية والطائفية، و”التخوين” المتبادل، اجهز على اي مشروع وطني بامكانه ان يحقق شرط بناء الأمة العراقية على اساس “هوية وطنية جامعة”.

ما يحصل اليوم في الانبار، هو خيانة عظمى. بدءاً من رئيس الوزراء وزعماء سياسيين وقادة امنيين شيعة، وانتهاءً بزعامات سُنية، من سياسيين وشيوخ قبائل وعشائر.

ولو كان ثمة ادعاء عام ومحكمة دستورية في هذا البلد، لما استمرت مهزلة التخوين المتبادلة، والتي ستؤدي بالضرورة والمنطق السياسي، وخبرة ما آلت اليه بعض دول مرت بذات صراع “التخوين” الى وقوع “الانفصال” الحتمي، وتمزيق هذه البلاد الواسعة باهلها، الى دويلات تتجمهر خلف صحراء ورايات، وتاريخ مظلم.

حين دخل الجيش الى الانبار، كانت المهمة نبيلة. حماية هذا الوطن بمكوناته. ردّ الشر الذي لا يفرق بين عراقي وعراقي، الا بطريقة الموت. كان الناس على طبيتهم فرحون بـ”الانجاز”، لكن ما خفي عن الناس، ان القوة المتجحفلة الى صحراء الانبار، لم تكمل مهمتها، ولم تستطع ان تقضي على الخطر الداهم، ولم تشل “القاعدة” وتصيبها في مقتلٍ، فقائد القوات البرّية اعلن عن تدمير معسكرين في الايام الاولى للحملة، وبعدها اعلن عن تدمير جميع المعسكرات، لكن ما فات السيد غيدان، ان للقاعدة في صحراء الانبار 11 معسكراً. ولهذه المعسكرات خطوط امامية وخطوط امداد وانسحاب. وتلك المعسكرات ليست بخيمة تائهة في صحراء “الرعيّان”، بل هي تجمعات، لها قوانينها وتحصيناتها الاستخبارية، فـ”الداعشيون” المكشوفون في البرّ، لهم منظومتهم الجاسوسية المتوغلة في الاجهزة الامنية، اما الجهد الحكومي الوطني، لم يحدث اختراقاً حقيقياً يُمكنه من تفكيك (داعش) ونخرها، ومن ثم الاجهاز عليها.

صفاء خلف*

فالحل الامني الذي ذهبت اليه الحكومة، مغامرة بأمن البلاد والعراقيين، وبدل ان تكون عامل “توحيد” تحول الى عامل “فرقة”.

بتنا امام محنة وطنية، غاب عنها العقلاء، وغاب عنها الوطنيون، فالانبار، كريمة باهلها، وهم ليسوا باصحاب “فتنة”، واذا أاستغلت تظاهراتها من قبل نفرٍ ضالٍ تحركهم اجندات خارجية، فان اهلها ليسوا بداعمين لـ”القاعدة”، ولا هم بـ”نواصب”، والحال ذاته مع العراقيين جنوبيين وشيعة، فهم ليسوا بـ”فرس مجوس” و”روافض انجاس”.

وهذا الجيش المتجحفل الى الانبار عليه ان يعي تماماً، ان دفاعه عن الانباريين هو دفاع عن العراق باجمعه. واذا ما كان فضّ اعتصامٍ نصرٌ بعين المالكي، ليقنع طهران وواشنطن بضرورة التجديد له لولاية ثالثة، فنحن على اعتاب ان نخسر بلداً بسبب طموح غير مرحب به.

ما نحن فيه اليوم تعدى حدود الطائفية السياسية والاجتماعية، نحن بتنا بسبب مغامرات السياسيين، امام “طائفية القطيعة”، فالشيعة باتوا معزولين عن السُنة.

طائفتان فرزتا قسراً في جغرافية الوطن، واشبعتا وهماً بـ”العداوة”، فالجيل الجديد الذي رفع السلاح في الفلوجة ضد الجيش من ابناء العشائر، جيل لم ينصهر في يوميات الوطنية العراقية، صحا على فرز مناطقي وعدو اسمه “الشيعة”، وبالمقابل الجيل الجديد من الشباب الشيعة، حقنوا الى حد الثمالة ضد “اهل الغربية” على اساس طائفي.

ضاعت المشتركات الوطنية، وبقيت الضغينة تقود الجموع الى الاقتتال، ومن ثم الانفصال. علينا ان نحاكم الزعامات بتهمة “الخيانة العظمى” لجرهم البلاد الى التقسيم بافعالهم المشينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً