اراء و أفكـار

داعش والمالكي

سرمد الطائي

هل من المناسب ان نعيد تقييم خطط الفريق السياسي والعسكري لنوري المالكي، عشية اعلانه عمليات يقول إنها واسعة، ضد داعش؟ ام ان علينا ان نصمت فجأة احتراما للجيش، حتى لو كان الجيش مسيراً من ادارة تحيطها شكوك كبيرة؟ هل يمكن ان نقدم للمالكي طلباً بسيطاً وينصت إليه؟
حاولت ان اختصر الامر خلال الايام الماضية في فيسبوك وتويتر، بالقول: “لماذا ايتها السماء.. جمعت علينا اشرس تنظيم ارهابي هو القاعدة، وأضعف فريق حاكم في الدنيا؟ الم يكن واحد منهم يكفينا؟ هل سنبقى ضحايا نقص حكمة الحاكم، ووحشية الانتحاريين؟ ان من يتحمل مسؤولية تدهور الأمن (وسقوط الضحايا المدنيين والعسكريين) هو سياسات المالكي ناقصة الحكمة. سنحاكمه يوما لانه بدد كل شيء وحول العراقيين الى حالة ضعيفة تتلاعب بها داعش”.
لكن شريحة واسعة من ابناء شعبنا وتحت تأثير اليأس والحزن، اندفعوا للتحمس لعمليات الجيش ورفضوا اي موقف تحليلي نقدي ازاءه. ان التحمس هذا هو محاولة تصديق انفعالي بان يكون الفرج قريبا، لان الناس غارقون في الدم والخوف. وفي ظل هذا الانفعال راح المتحمسون يهاجمون أصواتاً حاولت تحليل الموقف والتنبيه الى عدد من المخاطر التي تتلاعب بنا ونحن نعيش وضعا لا نحسد عليه بين ارتجالات فريق المالكي وخطاياه، وعقيدة الموت العدمية لدى داعش.
وفي الحقيقة فإننا لا نختلف حول داعش السوداء، ولا على ان في صفوف جيشنا ما لا يحصى من المضحين، وآلافا ممن ضحوا بحياتهم لدحر الارهاب.
لكن دفع الجيش لضرب معسكرات القاعدة ليس سوى مشاغلة لنا عن الأخطاء الكبرى السياسية التي جعلتنا ضعفاء ومهزومين امام القاعدة طيلة اعوام. وحقيقة أن من لا يفهم في السياسة وصناعة الأمن، لا يؤتمن على خطط كبيرة ولن يتقن أمراً جسيما، مثل تصفية داعش.
أنني والكثير من العراقيين مرتابون بل وخائفون من نتائج هذه التحركات، والأمر اختصره بيان الزعيم الشاب مقتدى الصدر قبل يومين، وكان مفاده، اننا ندعم بكل قوة أي تحرك للدولة ضد المجرمين، وفي الوقت نفسه نحذر من ان يجري استغلال ذلك لارتكاب المزيد من الاخطاء الرهيبة على شاكلة فض اعتصام الحويجة الذي جعل شريحة مهمة من العراقيين يكفرون بالدولة ويتعاطفون مع القاعدة كرها ويأسا.
ان ما جعلنا نتحدث بهذا المنطق الحذر، هو طريقة المالكي في تصميم وإخراج العملية. اذ لم يكن الأمر مجرد إعلان عن ضرب القاعدة في الصحراء، وفي الحقيقة فان نخبة الانبار نفسها، بما فيها المعارضة لسياسة المالكي، انتقدت طيلة شهور، عجز الدولة عن ضبط الحركة في الصحراء، التي كان يراقبها الاميركان بنحو ٧٠ ساعة طيران يوميا، بينما لم يكن لدينا ما نسد به الفراغ بعد انسحابهم. لكن المالكي تحدث بوضوح عن نيته فض الاعتصامات بالقوة، وتذكيرنا بالمشهد الذي رفضه الشيعة قبل ان يرفضه السُنّة، يوم اقتحام اعتصام الحويجة، وهو يوم سيظل خطيئة كبيرة في تاريخنا السياسي، كما انه خطأ قدم هدية مجانية لتنظيم داعش، وجعل عددا كبيرا من الاهالي يشعرون ان الدولة تستهدفهم طائفيا، وان من الممكن لداعش ان تثأر لهم في لحظة العزلة والمسكنة تلك. وياله من شعور يسلم البلدان الى اقسى الأقدار.
لو كانت داعش مجرد معسكرات في الصحراء، لزحف كل العراقيين اليها ودمروها، لكن هذا التنظيم الدولي يختفي كشبح وينفذ بأقل الأعداد، اخطر العمليات التي سال في اطارها دم عراقي من كل حدب وصوب.
كل ما نطلبه من المالكي، ان لا يقدم هدية جديدة لداعش، وأن لا يتهور ويتصرف بغطرسة غير مبررة مع المعتصمين، وأن يتذكر ان الناخب الشيعي قال كلمته في نيسان الماضي، وسيقولها بنحو اوضح في نيسان المقبل: التغيير مطلب جماهيري، لا تنفع معه خدعة. ولا احد سيبتلع الوطن ولا الطائفة، مهما ارتكب من الوان الهستيريا و”الفزعات والصولات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً