اراء و أفكـار

الفساد ودولة الإسلام السياسي

فاروق يوسف *

بعد ما يقارب الثماني سنوات من حكمه نجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وهو زعيم حزب الدعوة الإسلامي، أن يرتقي بالعراق إلى سلم الفساد ليتصدر قائمة الدول التي ينخرها الفساد المالي والإداري.

قيل في أوقات سابقة أن العراق كان قد احتل المرتبة الثالثة في قائمة الدول الفاسدة. غير أن فضائح الصفقات المليارية (عقود الكهرباء والطائرات والأسلحة الروسية وأخيرا مصفاة النفط في إحدى محافظات الجنوب) قد جعلته يصعد عن جدارة إلى المرتبة الأولى.

باستثناء صفقة السلاح الروسي فإن كل العقود الأخرى (ليست المذكورة منها أعلاه إلا نماذج للتذكير) كانت قد وقُّعت مع شركات وهمية، كانت قد أنشأت على عجل لتتقاسم الأموال المنهوبة من الخزانة العراقية مع مسؤولين عراقيين، جلهم ينتمي إلى الأحزاب الدينية التي تتقاسم الحكم في سياق نظام محاصصة كان قد جر العراقيين إلى المنطقة التي صاروا فيها رهائن خيارين: فإما القبول بالأمر الواقع بكل ما يتخلله من فساد، وإما الحرب الأهلية.

وهو ما يعني أن أي حديث عن فساد السياسيين الذين يتقاسمون السلطة باعتبارها غنيمة لابد أن يتم اعتباره جزءا من الصراع الطائفي، حتى وإن جاء مدعما بالوثائق الصحيحة التي لا تقبل الطعن أو الشك. الأمر الذي يفسر نجاة الكثير من المسؤولين السابقين الذين استولوا على أموال الشعب من العقاب وهروبهم بالمليارات إلى أوطانهم البديلة، بالرغم من ادعاء القضاء العراقي بأن الإنتربول يطاردهم، وهو ادعاء فضح كذبه ظهورُ أولئك المسؤولين في قوائمات الأثرياء العالمية.

كل هذا يجري في ظل صمت المرجعيات الدينية التي جرى تلميعها في ديباجة الدستور العراقي، بما يؤكد أن العراق بلد تحكمه الشريعة الإسلامية. فهل صارت اللصوصية جزءا من تلك الشريعة؟

الغطاء الديني لكل ما يشهده العراق من عمليات فساد مالي لا يمكن إنكاره. فحزب الدعوة الحاكم في العراق ومنذ حوالي ثماني سنوات هو حزب أصولي تربطه بمرجعيات النجف وشائج تاريخية. في المقابل فإن الحزب الإسلامي لم يكن سوى الواجهة العراقية لتنظيم الإخوان المسلمين. إلى جانب الحزبين المذكورين هناك المجلس الإسلامي الأعلى الذي اختصّ في نهب الديار المقدسة، وكتلة الأحرار المرتبطة بالسيد مقتدى الصدر التي صار نشر الرشوة في الوزارات الخدمية الست التي تتحكم بها هدفها المميز.

ألا تعني كل تلك الوقائع التي صارت نوعا من بداهات العيش في العراق أن المؤسسة الدينية كانت ولا تزال تقف وراء الفساد الذي جعل من العراق بلدا منكوبا، يعيش الجزء الأكبر من سكانه تحت خط الفقر، فيما تستمر بنيته التحتية في الانهيار، في ظل الأنباء التي تؤكد أن ميزانيته للعام المقبل ستصل إلى 150 مليارا؟

الدولة الدينية، بغض النظر عن مذهبها، لن تنتج وضعا أفضل. دولة المسيرات المليونية إلى أضرحة الأئمة وقبور الأولياء لا يمكن أن تنشئ بلدا صالحا للعيش الآدمي بشروط الحياة الحديثة، بدءا من احترام العمل والتعليم.

دولة اللصوص لا يمكنها سوى أن تنشر الجهل لكي تكون اللصوصية محمية بغطاء ديني، يلجم المجتمع بسلوك القدوة الطاهرة التي عاشت قبل ألف سنة. لقد وقع العراق في الفخ الذي نصبه سياسيون قرروا أن يكون الدين مطيّتهم، وفقهاء اكتشفوا في السياسة فن الممكن الذي يلغي بحماسته العقل ويدمر الحواس، منفتحا على خرافة أمل، ستقوم لحظة ظهور الإمام الغائب.

لن يكون مبالغة القول إن نشر الفساد إنما هو مدعاة لفخر المؤسسة الدينية التي تبدأ صباحها بالدعاء من أجل أن يعجل الله بفرج المهدي، وهو ما لا يمكن أن يقع من وجهة نظرها إلا إذا عم الفساد جميع مفاصل الحياة. الفاسدون سيقودونا إلى الجنة. ياله من مصير مؤسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً