اراء و أفكـار

أين هي الديمقراطية؟

موفق الرفاعي*

حين توصف أمة ما انها موحدة، فلا يعني هذا انها ذات مكون اجتماعي واحد او تمكنت من تذويب جميع مكونتها في بوتقة واحدة. واذا كان هناك من أمة تسعى الى هذا فانها تحكم على نفسها بالموت، لأن معناه توقف الجدل الذي هو اساس تطورها. واذ لا يمكننا تصور ان هناك امة – الا ان تكون قبيلة وبهذا تنتفي صفة الامة عنها- تنتمي الى سلالة (نقية) واحدة تفكر بدماغ واحد وتسير نحو اهدافها على سراط مستقيم وتعتنق ديانة واحدة ينظر اليها الجميع من وجهة نظر واحدة.
الشعب العراقي كما هي اغلب شعوب الارض مكون من قوميات متعددة يدينون بأديان مختلفة وضمن الدين الواحد هناك تشعبات مذهبية تكونت نتيجة الرؤى المختلفة للنصوص المقدسة عبر التاريخ واسهمت مواقف الناس وتصوراتهم في احيان كثيرة في ثنائية السلطة – المعارضة في بلورة هذه الرؤى، وهذا واقع لا يمكن لاحد انكاره او تجاوزه.
في الحقبة الاستعمارية كان من مصلحة العثمانيين ومن بعدهم الانكليز تعميق هذه الاختلافات في بنية المجتمع العراقي من اجل السيطرة عليه والبقاء اطول فترة ممكنة وكان من المفترض ان يسعى الانقلابيون العسكر الذين جاؤوا على اساس استعادة السيادة والقرار الوطنيين الى خلق هوية وطنية جامعة هي اساس بناء الدولة الحديثة الا انهم للاسف استعاروا التوجه الاستعماري ذاته بل وبالغوا فيه في احيان كثيرة من اجل ضمان البقاء في السلطة. ومع هذا لم تصل الطائفية – قومية دينية مذهبية- الى حد ان تصبح ظاهرة.
اثناء التحضير لاحتلال العراق من قبل الامريكان امكن استغلال هذه الفجوة في استقطابات شاركت فيها دول اقليمية وقوى دولية وكان وراء ذلك مراكز بحوث ودراسات ومؤسسات اعلامية كبرى امكن على اساسها تلفيق احزاب طائفية اوكلت اليها مهمة خلخلة الوعي الشعبي العراقي عن طريق الإعلام تمهيدا لخلق وعي جديد يقوم على الاستلاب لمصلحة مشروع الاحتلال وضمان تبريره، طبق على الارض بشكل مبرمج ودقيق بعد اسقاط النظام السياسي السابق ما خلق ازمة في العلاقة بين المكونات المجتمعية.
ومن اجل البرهنة على صحة مزاعمها قادت تلك الاحزاب على اختلاف توجهاتها الطائفية عملية تطبيقه بصورة دموية بشعة تمثل في الاغتيالات والتفجيرات والخطف والتهجير وما رافق كل ذلك من احياء لغرائز الثأر والانتقام بالتحريض المباشر او باستدعاء الاسطورة الحكائية بما تحمله من رمزية تدفع باتجاه المطالبة بالثار والقصاص من الآخر.
اليوم وبعد ان هيمنت تلك الاحزاب الملفقة على السلطة نجدها تستخدم ذات البرنامج في صراعاتها المتواصلة مع بعضها في تسابق محموم للاستئثار عبر تصفية الحسابات.
فالشعب العراقي اليوم موحد في نظرته الى جملة من الملفات الامنية، الخدمية، التعليم، البطالة، البنى التحتية وبعضها شكل موقفا عاما من قضايا عدة كالعملية السياسية والموقف من الصراع الدائر بين الاحزاب والقيادات السياسية. لا فرق في هذا بين مكون وآخر.
لكن حين يتحرك الشارع ضاجا وتتصاعد شكواه يسارع الساسة الى اتهام مكونات معينة انها وراء ذلك وان ما يجري هو مؤامرة يجب مواجهتها بعنف وبرص الصف الطائفي.
السنة يتامرون على الشيعة والشيعة يتامرون على السنة والعرب على الاكراد والاكراد على العرب وهكذا… نعم هذا صحيح الجميع يتآمر على الجميع ولكن هذا فقط ما بين ملوك الطوائف وليس ابناء الطوائف المسحوقين المتضررين من هذا الصراع.
ابناء الطوائف جميعهم ليس لهم مصلحة في الصراع الدائر بين امرائهم الذين يزعمون انهم ممثليهم.
فاين هي المؤمراة؟
المؤامرة موجودة فقط في ذهنية امراء الطوائف المرتبطين بالخارج حيث تطبخ القرارات وتعقد الصفقات ولكل منهم ثمن معلوم (تسعيرة) في هذه السوق التي لا تخضع لقانون العرض والطلب قدر خضوعها لـ(قوانين) العصابات والمافيات.
الذين يحكمون هم الاكثر بعدا عن التحضر والذين يرفعون شعارات الديمقراطية هم الاكثر كفرا بها والذين يروجون لدولة المواطن هم الاكثر سحقا له والذين يزعمون بانهم الأحرص على القانون هم الاكثر خرقا له والذين يدعون غيرهم للاحتكام الى الدستور هم اول الملتفين عليه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً