اراء و أفكـار

هذا قاتل كاوة

علي السراي*

قُتِلَ كاوة كرمياني، فمات قاتله “المتنفذ” بالرصاصة ذاتها.

قُتِلَ الصحافي الكردي، المثابر، لأنه لم يكن يقوى على تحمل كذبة “الحريات”، فالكشف عن الفساد، يقدم الرقاب كبشاً لعيد الفاسدين.

هنا في العراق، خارج الاقليم “المستقر”، يجد الصحفيون أنفسهم في مرمى بصر القاتل، وأمام بندقية “مجهول” يشخصون بين “فرضة” السلطة، و”شعيرة” المسلحين. ولهم أن يذهبوا للسجن لحملهم آلة تصوير، وعليهم يقع الموت لأنهم صحفيون في المكان الخطأ.

لكنهم لا يستعدون لضياع حلم “كردستان المكان الأكثر أمناً للعمل الصحفي”.. ألم تكن هذه رواية سلطة الاقليم عن صحافته؟.

لقد امضى الصحفيون العراقيون عشر سنوات من العمل في السلطة الرابعة، يحرّفون المعنى، ويلعبون بالألفاظ، كما لو أنهم يخرجون الرقيب، أي رقيب، من جيبهم، ليعمل معهم.

الصحافة في العراق مادة يكتبها الرقباء.

وكانت قصة الصحافة في كردستان، العزاء المتاح في “جهنم العراق”، على أنه المكان الذي لا يعيش فيه الرقيب، لكن الأمر ليس أكثر من “كذبة” ديمقراطية.

كاوة رحل، ورفع معه الغطاء عن وجه مختلف، مأسوف عليه، لإقليم “الحريات”.

لمن لا يعرفه، فهو ناشط معروف من مدين “كلار”، لم يتجاوز الحادية والثلاثين من عمره، يرأس تحرير مجلة “رايال” الكردية، ومراسل لصحيفة “آوينه”، ولم تفته فعاليات مدنية تدافع عن الحريات في الإقليم، خصوصاً تلك التي تنتصر لرفع القيود عن العمل الصحفي، تلك القيود التي أتت عليه برصاصة “مجهول”.

كان “كاوة”، قبل مقتله، يتقصى عن ملفات فساد تدين مسؤولين وإداريين من احزاب كردية مختلفة، وهي التي أودت بحياته.

مهما كان قاتله، وهو في الأغلب متنفذ سياسياً وعسكرياً، له يد طويلة تمتد في أمن المدينة، ومالها، ورأسه وأنفه محشوران في كل مكان، يراقب الصوت والريح والكلمة، يقتص منها لو نطقت باسمه، أو همست شيئاً عن الحساب الذي في جيبه.

وفعل كاوة، وفعل القاتل.

مهما كان هذا الخائف من كاوة، فإنه يأتي على نفسه بالرصاصة ذاتها، ويرمي “سمعة” مدينته، في مقتل.

سياسيون كرد، يشاطرون سياسيي العراق، ينشطون في شبكة كبيرة تزدهر في زواج طويل الأمد بين المال والسلطة، يرتكبون في حق كردستان، ما ارتكبوه في كاوة.

خلف هذا القاتل، رجال يديرون كردستان بالرصاص، والفساد. يبنون امبراطورية “مستترة”، تحكم الاقليم من الكواليس، وترتدي ثوباً أنيقاً، وتلبس وجهاً يبتسم، وفي فمهم كلمات للتورية: حريات حقيقة.

وبقدر ما كانت “حقيقة”، مات كاوة.

لقد أصاب القاتل نفسه برصاصة كاوة، وبينما كانت تستقر في رأسه لتنهي حياته، قتلت معها “مشروعاً سياسياً” ووضعت تاريخه الطويل على كف ملوثة.

هذه جريمة من نوع مختلف، وفيها يصيب القاتل نفسه، ويطيح بمن معه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً