ثقافة وفن

الناصري ولصوص الثقافة الوطنية

16222646_rafei alnaseri

معرض مختلف ذلك الذي قدم مسيرة نصف قرن في حياة أحد أكبر الفنانين العراقيين، الفنان رافع الناصري، والذي احتضنته قاعات المتحف الوطني الأردني للفنون بالعاصمة عمان.. وهو مختلف، أيضاً، بسبب ذلك الحشد، الذي ما كنت أتخيل أنني سألاقيه في زمان ومكان واحد، كما حصل معي الأسبوع الماضي.

والأستاذ الناصري غني عن التعريف بالنسبة لعموم أهل الفن في العراق، والمنطقة. “درس في بغداد وبكّين وتخصّص في الغرافيك، الحفر على الخشب. كما درس الحفر على النحاس في “غرافورا” في لشبونة عام 1967. وفي هذه الفترة اكتشف جماليات الحرف العربي وأدخلها في تكوينات تجريدية، كما اكتشف الأكرليك واستعمله بدلاً عن الألوان الزيتية. وبعد عودته إلى بغداد في 1969، أسس جماعة “الرؤية الجديدة” مع عدد من الفنانين العراقيين، وشارك في تأسيس تجمّع “البعد الواحد” مع شاكر حسن آل سعيد. أسس عام 1974 فرع الغرافيك في معهد الفنون الجميلة في بغداد، وتولى رئاسته حتى عام 1989، الذي تفرغ فيه لعمله الفني بعد أن أنشأ “المحترف”. ترك بغداد في عام 1991، ودرّس في جامعة إربد في الأردن، وجامعة البحرين”.

ومنذ سنوات استقرّ الناصري، وزوجته الشاعرة مي مظفر، في العاصمة الأردنية، وهنا، حيث المتحف الأردني للفنون، قطعت سيارات الضيوف الشارع الرئيس، وشاهدت بعينيّ بعض السيارات تصفّ في مكان بعيد جداً عن مكان المعرض، ويترجل منها عراقيون متأنقون قاصدين قاعة العرض. هنا.. فوجئت بأن عداً من كبار الرسامين العراقيين، الذين يعيشون خارج بلادهم وفي مختلف أنحاء العالم، قد وصلوا خصيصاً للمشاركة في افتتاح المعرض المهيب، كما كانت فرصة سانحة للقاء بآخرين يقيمون هنا.. وبالطبع كانت وكالات الأنباء حاضرة لتحية الحدث كما هو شأن نخبة من كبار الأدباء والفنانين العراقيين والأردنيين. ووجدت السعادة تغمرني وأنا بين هذا الطيف الواسع من العراقيين الذين قصدوا معرض الناصري. ثم وهم يقفون بين يدي معلمهم باحترام وتبجيل نادر في هذا الزمن الرديء.

وكالعادة، لا يمكن أن يمرّ هذا الموضوع دون أن نشير إلى الغصة التي تتملكنا ونحن نرى معرضاً بهذه الضخامة لفنان عراقي كبير يقام خارج بلاده التي تحتضن، ويا للصدفة، في العام الحالي، فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية، هذه الفعاليات التي رصدت لها مبالغ “خنفشارية”، ومع ذلك، عجزت المؤسسة القائمة على هذه الفعاليات عن تضييف رافع الناصري، ومن معه، وضيّفت بدلاً عن ذلك ممثلات مصريات انتهى رصيدهن الابداعي منذ السبعينيات!

المبالغ التي صرفت على فعاليات مهرجان بغداد عاصمة للثقافة العربية كان يمكن تبرير سرقتها من قبل المسؤولين و”الحبربش” لو أنهم اقاموا فعالية واحدة ترقى للفعالية التي اقيمت في الأردن للفنان العراقي الكبير رافع الناصري، وهي الفعالية التي تمتلك رمزية كبيرة ودفعاً معنوياً لمشهد الفنون التشكيلية العراقية ولم تكلف شيئاً سوى 200 دولار قيمة العصائر والمعجنات.. ولكن الذي حصل في هذه الفعاليات مجرد خراب، بدءاً من حفل الافتتاح ومروراً بمختلف المهرجانات ووصولاً لمهرجان المسرح “الدولي”، مهرجانات خصصت لراحة المدراء العامين وضيوفهم الـVIP الذين أمضوا أوقاتهم بين الفنادق والولائم!

لصوص الثقافة العراقية، الذين يجيدون تبرير كل شيء، وبضمنه وجودهم في أكبر مناصب الحرام، لم يكلّفوا أنفسهم ارسال ممثل عنهم لحضور معرض الفنان الناصري، كما كانوا قبلها قد تركوا الفنان القدير يوسف العاني يصارع أمراضه وحيداً في العاصمة الأردنية عمان، ولما أضطرته ظروفه الشخصية العودة للعراق صاروا، براسه، كلهم من أصحاب الهمة والوطنية!

يشعر الانسان بشرف كبير أن يكون بين يدي رافع الناصري، وأن يعيش في العصر الذي عاشه هذا الفنان الكبير.. وفي الآن ذاته، يشعر واحد مثلي بالغثيان لأنه يرى ويسمع كل يوم، مجبراً، لصوص الثقافة يتبجحون من على مختلف المنابر، كما أنه يشعر بالقرف الحقيقي لأنه يعيش في عصر هؤلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً