اراء و أفكـار

خطاب ترامب يقسم أميركا

روجر أوين

لم أحضر في حياتي سوى مرّة واحدة مؤتمراً لحزب أميركي، وكان ذلك مؤتمر الحزب الديموقراطي الذي عقد في بوستن في العام 2004، وقد حالفني الحظ فاستمعت إلى باراك أوباما، الذي كان في حينه سيناتوراً شاباً من إيلينوي، يلقي خطاباً ممتازاً أوصله إلى صفوف النجومية على الساحة السياسية الوطنية وإلى الفوز على هيلاري كلينتون في العام 2008 في الانتخابات الرئاسية. وكانت إحدى أبرز النقاط التي تطرّق إليها دعوة إلى الوحدة الوطنية اعتماداً على مفهوم عدم وجود ولايات ديموقراطية وولايات جمهورية، بل ولايات أميركية فحسب.
ومنذ ذلك الحين، لا شك أن مستوى الخطاب العام تراجع بشكل ملحوظ، وذلك جزئياً بسبب الكراهية الضمنية والسرية إلى حدّ كبير التي تكنّها بعض أطياف ذوي البشرة البيضاء في أميركا لأوباما. واليوم، وبشكل فاضح، يحثّ بروز دونالد ترامب على رأس الجمهوريين في وجه هيلاري كلينتون على رأس الديموقراطيين على مزيد من العنف، فهو يشير إلى منافسته بانتظام على أنها «هيلاري الكاذبة» أمام حشود غفيرة تدعوه إلى «سجنها»، بشكل واضح إلى المزيد من العنف.
طبعاً، ليس ترامب وحده مسؤولاً عن هذا التدهور المؤسف، فثمة الكثير ممن يكرهون هيلاري لعدد من الأسباب. إلا أنه يمكن اتهام ترامب بتشريع نوع من الخطاب الهجومي المليء بالكراهية الذي كان حتى الآن غير مقبول على الصعيد العام، والذي يبدو أنه يعكس رغبةً شديدةً في لوم أي كان على المزاج الحالي من القلق الوطني حيال مسيرة البلد في طريق خاطئ عندما يتعلق الأمر بملفات الهجرة والعلاقات بين الأعراق وعمالة الطبقة العاملة، وبالتالي، الحاجة إلى من ينقذ أميركا ويعيد بريقها من جديد.
وبما أن ترامب غالباً ما يشكل موضوعاً يتناول الإعلام العام، من المهم النظر في تفاصيل ما يقوله والطريقة التي يعتمدها. فهو لا محالة يبدأ جمله بـ «أنا» المختلفة تماماً عن «نحن» التي يعتمدها كل السياسيين الأميركيين الآخرين. ومن ثم يكمل باستخدام جمل بسيطة على غرار «ثقوا بي» و»صدقوني» و»أعرف» و»أحب»، وهي جملة غير مقنعة البتة كما في «أحب الناس في نيويورك»، أو حتى أفظع من ذلك «أحب غير المتعلمين» عند استماع إلى استطلاعات الرأي. ومن ثم يكمل لتحقير منافسيه وليقول كم أن أعداء أميركا هم وحدهم من يحبهم، على غرار «المخادعة هيلاري» أو «ربما السياسي الأكثر فساداً في أميركا». وفي حين يتهم حملة هيلاري بأنها لا تخص سوى شخصها، يدعي أن حملته لا تخص سوى «الشعب».
على من إذاً يقع لوم مصائب أميركا بما فيها بروز «داعش»؟ ليس فقط على هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة الخارجية في عهد أوباما، بل على أوباما نفسه، وهذا مثال ممتاز على استخدام ترامب الخاطئ لفكرة مفادها أنه إذا كان أوباما وكلينتون في السلطة عند حصول شيء فهما لا محالة مسؤولان عنه.
بالنسبة إلى أصحاب القناعة السياسية الليبيرالية، يسهل انتقاد ترامب على تسلّطه وكراهيته للنساء وممارساته المشبوهة في الأعمال بالإضافة إلى جهله التام في العلاقات الدولية. حتى أن البعض ذهب إلى الاعتقاد بأنه لا يريد فعلياً أن يصبح رئيساً وقد يقود حملة ترضي غروره ومن ثم ينسحب في أيلول (سبتمبر) إما قبل المناظرة العامة مع هيلاري كلينتون أو بعدها.
في رأيي الخاص أن ترامب ليس فقط ملتزماً بالفوز، ولكن، نظراً لنقاط الضعف المتعددة لدى كلينتون، ما زال يملك فرصةً كبيرة ليصبح رئيساً، وهي وظيفة يرى نفسه فيها. والحال أنه في الماضي، وصل إلى السلطة مرشحون غرباء أكثر منه. أي بكلام مباشر، إن المزاج الوطني اليوم في أميركا معكّر للغاية، ونظام الحزب قلق حيال المستقبل إلى درجة الاعتقاد بأن ترامب، بفكره الموجه نحو الأعمال وطريقته ببسط القانون والنظام، سيتمكن من إنقاذ الولايات المتحدة، وهو موقف يبدو أنه تقبله عندما زار ضحايا الفيضان في لويزيانا، حين وجد طريقةً للحديث مع أعضاء المجتمعات السود حول مصيبتهم وبدأ بإطلاق الإعلانات التلفزيونية المضادة لتلك التي أطلقها خصومه.
وفي أيلول (سبتمبر) المقبل، سنشهد سلسلة من ثلاث مناظرات عامة بين ترامب وهيلاري كلينتون، وهي بمثابة الفرصة، إذا استطاع اغتنامها، للترفّع عن حبه الواضح لنفسه والتطلع إلى ما قد يطمئن الجمهور، وبالتالي الفوز مجدداً بكل طبقات المجتمع على غرار جيل الألفية وذوي الجذور الإسبانية والعديد من النساء، الذين يبدو أنه تلذذ حتى الآن بالإساءة إليهم. سيكون الأمر شاقاً وصعباً، إلا أن تلك هي رغبة الحزب الجمهوري للعودة إلى زمام السلطة بعد 8 سنوات من الحكم الديموقراطي، وقد ينجح ترامب في تحقيق ذلك.

نقلا عن الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً