اراء و أفكـار

لماذا جرابلس؟

يأتي التوغل العسكري التركي في الشمال السوري، واحتلال مدينة جرابلس، بمشاركة قوات من المعارضة السورية، دخلت مع الجيش التركي في إطار التحولات التي تشهدها الساحة السورية عسكرياً وسياسياً، والاستدارة الواضحة في المواقف الإقليمية والدولية، تجاه الحل السياسي، والتحالفات التي تتشكل في المنطقة.
من الملاحظ أن «داعش» الذي كان يحتل المدينة القريبة من الحدود التركية، لم يخض معركة حقيقية ضد القوات التركية والقوات الحليفة لها، وفضّل الانسحاب جنوباً إلى بلدة الباب، في طريقه إلى معقله في مدينة الرقة، للدفاع عنها في مواجهة قوات «سوريا الديمقراطية» ذات الأغلبية الكردية، التي تحشد استعداداً لمعركة فاصلة مع «داعش» لتحرير المدينة، بدعم من القوات الأمريكية.
يمكن أن نلاحظ مفارقات وتقاطعات في كيفية تعامل واشنطن مع كل من الجماعات الكردية المقاتلة (قوات سوريا الديمقراطية وقوات الحماية الكردية «الأسايش») من جهة، ومع تركيا من جهة ثانية. فواشنطن التي كانت تؤيد الأكراد في حربهم ضد «داعش» في منبج، وقفت ضدهم عندما قرروا التوجه إلى جرابلس، وأيدت تركيا. بل إنها دعت الأكراد للانسحاب شرقي نهر الفرات تلبية لرغبات تركيا التي تخشى التمدد الكردي غرباً، خوفاً من إقامة «كيان كردي» يمتد على طول الحدود التركية تقريباً، ما يمثل هاجساً وقلقاً تاريخياً من تمدد مثل هذا «الكيان»، مهما كان شكله، إلى داخل المنطقة الكردية في جنوب شرقي تركيا.
من الملاحظ أن رد الفعل السوري الرسمي على التوغل العسكري، كان دبلوماسياً في الاعتراض على العملية من حيث الشكل، لأن أنقرة لم تنسق مسبقاً مع دمشق، وكذلك رد الفعل الروسي الذي اكتفى بالتحذير من اندلاع نزاع عرقي، عربي – كردي، ما يشير إلى أن هذا التوغل لا يلقى معارضة فعلية، مادام يستهدف تنظيم «داعش» الإرهابي، خصوصاً أن هناك معلومات عن اتصالات سورية – تركية على مستوى أمني، تُجرى منذ فترة، بوساطة دولة إقليمية لم تتبلور بعد، ولم تصل إلى نتائج ملموسة، وذلك في إطار تحول سياسي تركي تجاه الأزمة السورية، ووسائل حلها بدأت ملامحه تظهر بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد نظام أردوغان.
هذه التحولات السياسية والميدانية لا يمكن عزلها عما يجري في حلب من معارك بين قوات النظام السوري ضد المجموعات السورية المسلحة، وبعضها موسوم بالإرهاب مثل «جبهة النصرة» الجديدة، التي أطلقت على نفسها «جيش فتح الشام». إذ إن نتائج المعارك في منبج وجرابلس والرقة، وكذلك في حلب، لابد أن تنعكس على الميدان السياسي والمفاوضات المقبلة في جنيف، حيث يكون حصاد الميدان العسكري، ترجمةً لما يمكن أن تخرج به المفاوضات التي تنتظرالحصاد العسكري الذي قد يكون بعضه على شكل مقايضات هنا وهناك.

 

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً