اراء و أفكـار

إيران ودفع الفاتورة الباهظة

محمد برهومة

ليس جديداً الجدلُ العربيّ، وبخاصةٍ الخليجي، حول مدى جدوى توظيف تناقضات الداخل الإيراني لردعِ طهران عن التدخل في شؤون جيرانها الخليجيين والعرب، والذي لم يتوقف منذ الثورة الإيرانية، قبل نحو سبعة وثلاثين عاماً. كانت ثمة مراهنة بين الدول العربية والخليجية على أنْ تُصغي الجمهورية الإسلامية للغة الحكمة والعقل والأُخوّة وحسن الجوار، إلى أنْ تأكدتْ هذه الدول أنّ إيران تنظر إلى هذه المفاهيم على أنها علامات ضعف، وأنّ احترام العيش المشترك صيغةٌ للعجز، وثيمةٌ تتناقضُ مع «عقلية الانتقام» و «سرْمدة هويّة الضحية» وإعادة إنتاجها… إلى أنْ يُنهي ذلك إمام الزمان! منذ 2003 والشيعة يحكمون العراق، لكنهم، حتى الآن، ضيّعوا فرصة إنتاج صيغة جاذبة لبناء الدولة وتأسيس هوية وطنية جامعة ومتماسكة وخلق مؤسسات غير طائفية تحارب الفساد وتطوّر التنمية والخدمات، وبدا أنّ ضحايا صدام حسين أكثر دموية ورغبة في الانتقام والتخريب منه، مع أنّ منطق الضحية زال بعد وصولهم إلى الحكم في العراق، وبعد قبض «حزب الله» على لبنان، منذ تحرير الجنوب عام 2000.
في الخليج تحديداً، تتراجعُ اليوم أصواتُ من كانوا، ولا يزالون، يرون أنّ توظيف تناقضات الداخل الإيراني ودعم المعارضة الإيرانية من شأنه أن يضفي مشروعيةً على تدخلات إيران في الدول العربية، أو من شأنه توحيد الداخل الإيراني، بمن فيه الإصلاحيون والمعتدلون والمحتجون من الناس العاديين، خلف حكومتهم الفاسدة والمستبدة، بدعوة رفضهم للتدخل الأجنبي في شؤون بلادهم، ما يعني اصطفافاً قومياً بدلاً من إتاحة المجال لديناميات التغيير الذاتي أن تحدث من الداخل من دون تدخّل.
لقد ظهر من مجريات مؤتمر المعارضة الإيرانية الأخير في باريس، أن المراهنة على اعتدال إيران وتغيّرها بعد مرور عام على توقيع الاتفاق النووي الإيراني لا مبرر قوياً يساندها. والواقع أنّ اليأس من إصلاح إيران ليس خليجياً أو عربياً فقط، فالأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، يعترض، مثلاً، على التجارب الصاروخية الباليستية في إيران، وتعترض المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، على غياب بوادر الثقة في إيران، ليواجَه مون وميركل بردّ إيرانيّ يرى في موقفيهما «مؤامرة جديدة ضد إيران ينبغي التحوّط لها»!
اليأس العربي والدولي من إيران ومن تدخلاتها السلبية في سورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين، في تصاعد يُقوّي صوتَ من يرى أنّ إيران، التي تتبنى منطق «إنّما العاجزُ من لا يستبدّ»، ستدفع فاتورة سياسية باهظة الثمن، وأنّ شرور المنطقة التي انفتحت في كل الاتجاهات لن تصيب الدول والمجتمعات العربية فقط، بل ستطاول إيران. والأجدى بالطبع التوافق على نظام أمنٍ إقليميّ عادلٍ ومستدامٍ يسع الخليجيين والإيرانيين، ويبعد عن المنطقة نيران التطرف والإرهاب وحرق مواردها.
زبدة القول: إذا ما وضعت ملفات الأحواز والآذريين والأكراد والتركمان والبلوش وباقي الأقليات والتنويعات المظلومة والمهمّشة داخل إيران، والمعارضة الإيرانية في الخارج، على طاولة الصراع و»المكاسرة الإقليمية» فإن هذا سيغري باستدعاء أكثر السيناريوات تشاؤماً، وأن يكون الصراع الإيراني- العربي هو الموجة الجديدة التي ستتصدر صراعات الإقليم. ومن يدري، في ظل غياب الحكمة والإنصات للغة الحوار والتفاهمات من قبل طهران أن يستعاد شعار الإقصاء والإفناء الذي وسم لعقود الصراع العربي – الإسرائيلي، وأقصد: «صراع وجود لا حدود»؟

نقلا عن “الحياة اللندنية”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً