عالم جديد يتشكل
يتحرك العالم سريعاً نحو صياغة نظام دولي جديد، من خلال صراعات متعددة الأوجه، سياسية واقتصادية وعسكرية، ونشهد فيها تحولات في التحالفات وتغييراً في الإستراتيجيات والمواقف.
ننظر من حولنا وإلى الأبعد في كل الاتجاهات، ونلاحظ أننا نعيش في عالم يتغير بسرعة كأنه لا يشبه العالم الذي عرفناه منذ انهيار الاتحاد السوفييتي ومحاولة الولايات المتحدة قيادة دفة النظام العالمي منفردة. إذ بزغت دول تسعى لاسترداد دور افتقدته، وأخرى تقفز بقدرات وإمكانات اقتصادية وعسكرية لأخذ المكان الذي تستحقه في النظام العالمي، إضافة إلى مجموعات إقليمية كبرى تتشكل كي لا تبقى على الهامش، إنما للمشاركة الفاعلة في التحولات التي تجري على مستوى العالم.
لم تستطع الولايات المتحدة التفرد بالنظام العالمي وتكريس وحدانيتها، لأنها اتبعت نهجاً يقوم على استخدام القوة وشن الحروب والاستخفاف بالآخرين، وإعلاء قيمها وقوانينها الخاصة وفرض شروطها وعدم قبولها مشاركة الآخرين في حل النزاعات الدولية، ما أضعف من قدراتها، وأوقعها في أزمات اقتصادية ووهن سياسي، وكل ذلك جعلها تفقد القدرة على ممارسة قيادة العالم، ووقعت في ارتباك استراتيجي في ما يتعلق باتخاذ القرار.. وتغيير الأولويات والمواقف.
هذا كله شجع القوى الأخرى على التقدم لأخذ أدوارها. الصين التي تقفز بسرعة الصاروخ وتسجل أسرع نسبة نمو اقتصادي وتحتل المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، وتزاحم على المرتبة الأولى، وتعمل على تطوير قدراتها العسكرية بشكل مطرد، وتقتحم أسواق العالم في إطار توسعها الاقتصادي الكاسح.. الصين هذه لم تعد تقبل أن تظل على الهامش، بل في قلب حركة التغيير.
وروسيا التي خرجت من محنة انهيار الاتحاد السوفييتي لم تنس أنها وريثة دولة عظمى تمتلك كل مقومات وإمكانات هذه الدولة وتمكنت من تجاوز حالة «البيات الشتوي» في وقت قصير وأدركت أن الولايات المتحدة ، بسبب سياساتها الحمقاء ونزعتها الحربية والمآزق التي وقعت فيها من جراء سياسات جماعة «المحافظين الجدد» لم تعد مؤهلة للتفرد في نظام عالمي لا يستطيع تحمل طغيانها فتقدمت لأخذ دورها الذي فقدته.
يضاف إلى الصين وروسيا، مجموعة من الدول الصاعدة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، ودول أخرى في جنوب شرق آسيا تجهد كي يكون لها دور وصوت ومكان بين المتصارعين أو المتنافسين.
ما نراه في سوريا وأوكرانيا وبحر الصين الجنوبي من أزمات وحروب بالواسطة أو مباشرة هو شكل من أشكال إعادة صياغة النظام العالمي الجديد، الذي يقوم على الشراكة الدولية. ونلاحظ أن الولايات المتحدة تسعى لأن تكون خسارتها متوازنة مع الربح الذي يسعى إليه الآخرون على قاعدة الكل رابح، فيما تحاول روسيا التي تقوم بهجوم عسكري وسياسي أن تثبت أقدامها في سوريا وتستعيد «مواقع تاريخية» خسرتها في فترة السبات السابقة.. بعد أن استعادت شبه جزيرة القرم.
لا شك أن التراجع الأمريكي ، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط والاستدارة نحو جنوب شرق آسيا وفر فرصة لروسيا كي تتقدم بثبات في المنطقة العربية.
.. لكن في مجرى هذه السياسات و«الانقلابات» في البيئة الإقليمية والدولية لا بد من سؤال: أين العرب؟ أين موقعهم؟ وأين محلهم من الإعراب… فيما بعض وجوه الصراع والتغيير تجري على أرضهم؟
– See more at: http://www.alkhaleej.ae/studiesandopinions/detailedpage/c5e06de0-8eb1-46d8-961c-66e5039f04a7#sthash.fJRBCAuh.dpuf