الخلاف الروسي الإيراني ليس على بقاء الأسد
لم يكن إعلان الخارجية الروسية أن بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة «لا يعتبر أمرا مبدئيا بالنسبة لموسكو» مفاجئاً، فهو نتيجة طبيعية من نتائج التدخل العسكري الروسي في سوريا، والذي سمح لموسكو أخيراً بانتقالها من حالة الراعي العالمي للنظام الذي يملك سلاح النقض في مجلس الأمن، ويؤمّن له الإمدادات العسكرية والمالية لاستمراره (لكنه لا يملك السيطرة على الأرض، ولا النفوذ الذي تملكه إيران على دمشق من خلال حرسها الثوري وقوات «حزب الله» والميليشيات العراقية) إلى وضعية المسيطر على مركز النظام السوري، من خلال إحكام قبضته على مناطق الحاضنة الشعبية لهذا النظام (اللاذقية وطرطوس)، وكذلك من خلال فرضه حظراً جوّيا على المجال الجوّي السوري استدعى تنسيقاً أمريكياً روسياً، وكذلك إسرائيليا ـ روسياً.
هذه الانتقالة الاستراتيجية الروسيّة كانت استجابة منطقية استدعتها السياسة الخارجية الأمريكية في سوريا، فالعاصمتان، رغم المواقف المختلفة من الأسد، لا تختلفان كثيراً حول الخوف من تزايد نفوذ الإسلاميين، على كافة أشكالهم، ولعلّ الأيام قد تكشف لاحقاً أنها كانت نتيجة اتفاق بالخطوط العريضة مع واشنطن على آليّة عمل لإنقاذ النظام السوري ولو كلّف ذلك تنحية الرئيس بشار الأسد.
جاءت الدعوة الروسية لإيران منطقية أيضاً، فلا يمكن لأي صفقة مرتقبة حول النظام السوري المرور من دون موافقة طهران، باعتبارها الحليف الإقليمي القديم لنظام الأسد، ولكونها ما تزال تملك الكثير من أوراق اللعب التي قد تخرّب، أو تؤجل، ما يمكن الاتفاق عليه.
طهران من جهتها، قررت أن ترفع سقف التفاوض، رافضة أن يكون وجودها في المؤتمر المقصود تمرير الصفقة الأمريكية الروسية فحسب، فأخذنا نسمع تصريحات بدأها مرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي قبل أيام بالتلميح إلى عدم قدرة بلد واحد (أي روسيا) على فرض مستقبل سوريا، كما جاء تصريح آخر من الخارجية الإيرانية يهدد بالانسحاب من المفاوضات كونها «غير بنّاءة»، وصولاً إلى التصريح العلني للقائد العام للحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري أمس بأن مواقف روسيا حول الأسد لا تتطابق مع مواقف إيران.
ولأن كل ذلك لا يجري في العالم الافتراضي بل في عالم الواقع الميداني، فالحقيقة أن لا روسيا ولا إيران غافلتان عن عدم قدرتهما على الانتصار في الحرب السورية، بعد أن جربت الدولتان رفع سقف المواجهة، سواء بعديد القوات أو أنماط تسليحها، فرفع خصومهما السقف أيضاً.
وبدلاً من الانتصارات السريعة التي كانت تتوقعها موسكو، رأينا تراجعاً لقوات الأسد على الأرض، وشهدنا خسائر بشرية كبيرة لإيران وميليشياتها، وهو ما جعل روسيا تسارع إلى اقتراح المفاوضات في فيينا، بدلاً من انتظار قطف نتائج هجماتها، كما كانت تخطط، وهو أيضا ما سيدفع إيران أيضاً إلى قبول أطر التسوية الممكنة والكف عن الجنوح إلى أمنيات الأيديولوجيا والدعاية الحربية.
وبغض النظر عن التصريحات الروسية والإيرانية، وخصوصاً الكوميدية منها والتي تتعلّق برفض «الإملاءات الخارجية» (باعتبار أن العاصمتين لا تمارسان الإملاءات على بلدان المنطقة)، وبكون «الشعب السوري» هو الذي يقرّر مصير الأسد (التزاماً ربما بتعريف الأسد للشعب السوري بأنه الذي يدافع عن النظام وليس الذي يمتلك جنسية سورية)، فإن ما يحصل حقيقة ليس خلافا على بقاء الأسد من عدمه بل هو صراع الشريكين على تقرير طبيعة الدولة السورية المقبلة، والحصة التي سيحصل كل منهما عليها من الجسد السوري، وهو أمر لا يمكن لهما الانفراد بتقريره (إذا مدّدنا منطق تصريح خامنئي إلى آخره)، فما ينطبق على الديك، كما يقول المثل الانكليزي، ينطبق على الدجاجة!