دولة الكارتون
حاتم حسن
شدَ على أعصابه، وصبر، وكابر، وتجمل بالحكمة ومنح الفرصة، إلى أن نفد صبره وفلتت أعصابه وصرخ بأنها دولة الكارتون، فما أن هبطت أسعار النفط حتى تكشفت العورة وافتضح حال الدولة الكارتونية، ووقفنا على زراعتنا وصناعتنا وتخطيطنا وتنميتنا وعلى خواء بلدنا، وان ذريعة الإنفاق والصرف على محاربة الإرهاب قد تبين كذبها وبطلانها, فالساسة في منطقتهم الخضراء البعيدة عن التفجيرات والعصابات يتداولون المنافع والمصالح الشخصية كأي كذابين ومنافقين وفاسدين وبمنطق لم يعد ينطلي على البسطاء… وتعالى صوت الصابر الحليم ودوى من على منبره وقال أن الدولة دولة شفط لا نفط.. وأنها تحبو وان تجاوز عمرها الاثنتي عشرة سنة، بينما لا يحتاج البشر لأكثر من سنة واحدة لكي يمشي… وان كانت الدول تولد وهي تركض وتدخل في سباق مع الأكبر والأقدم.. وتلك نماذج شائعة ومعروفة في وثوبها، وبسنوات قلائل من خانة التخلف وتتبارى مع الدول المتقدمة… لقد بلغ الغضب أطرافا بعيدة وحساسة… وان تلك الصرخة لتعني بأن السيل قد تجاوز الزبى وما عاد السكوت ممكنا وإلا كان تواطؤا وخيانة… والقائل يضيف معنى للقول, وقد فضح أن الفساد والسرقات والصفقات قد أخذت عناوين عائلة، مما يؤشر طمأنينتهم وتلقائية وروتينية عملهم، من دون أن يتورعوا في توظيف وتسخير المقدس لإتمام الصفقات والممارسات الفاسدة، وبما أثار التعليق بأن الغضب ذاته قد يكون بوظيفة ودور في انجاز فاسد… وقد عاش العراقي مثل هذه المشاهد, فالساسة من مؤسسي دولة الكارتون لم يتركوا للمرء أن يندهش ويستغرب ويتفاجأ… فما الغرابة أن تعلن الدولة إفلاسها في ظل بعض السياسيين بكل هذا الزيف والبلادة والفساد؟؟؟ ولكن غضب هذا الصوت وانفلات أعصاب الغاضب إنما يؤشر أيضا أن للعراق من يغار عليه ويفديه ويفقد صبره وأعصابه من اجله… لا سيما إذا كان الغاضب بخواص ومواصفات معينة ومنها انه من الحريصين على نجاح التجربة.. وانه من أعمدتها، فكان الشاهد وهو من أهلها… وهو إذ يشهد بكارتونية الدولة, يشهد أيضا بوجود الغيارى فيها، ومن يحترق قلبه على العراق.. المعروف ان مائة رجل يوحدهم مبدأ وهدف وتنظيم ليتفوقوا بالمواجهة على مائة مليون… والمائة مليون لا يساوون حتى رجلا قويا واحدا… فقوته تتسرب وتتشتت بتشتتهم وعدم انتظامهم، ولصوص العراق وفاسديه ومتخلفيه تنظمهم مصالحهم ومنافعهم ويدعمهم هزال ضمائرهم الاجتماعية فيحققون غاياتهم إزاء ملايين تتقلب في الأزمات والمحن وانتبهت إلى أنها في بلد بلا مقومات دولة وانه مجرد شكل كارتوني… وقد تأكدت هذه الحقيقة أكثر من مرة… ففيه من يوظف المقدس لتمرير الصفقة، ومن يوظف حتى الانفعال والحرص والغضب لذاك السبب… وقد يتولى هذا الصوت الغاضب كشف المزيد، وقد يصدمنا الصدمة الأخيرة..