“إرادة” أنجيليا جولي
علي حسين
أرجوكم أن تعذروا جهلي، فأنا منذ أشهر ابحث في المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك والفضائيات عن صورة او خبر يؤكد ان بعض النائبات ” الفاضلات ” من ذوات الصوت العالي والشعارات البراقة، قمن ولو بزيارة قصيرة الى احد مخيمات اللاجئين ، الشيء الوحيد الذي نجحن فيه هو استنهاض الهمم ” الطائفية ” واشعال حرائق الفتنة ، وأضفن الى المسرح السياسي ثقل الظل وغياب صوت العقل.
خلال الأشهر الماضية كنت أتابع زيارات المسؤولين الغربيين الى مخيمات اللاجئين ، وأقول لنفسي ما الذي سيفعله نوابنا الأكارم المشغولون بإحصاء عدد المقاولات والاطمئنان على رقم الرصيد بالعملة الصعبة، فقدمت لي الممثلة “الكافرة” و”السافرة” إنجيليا جولي ، الجواب شافيا، كلمات تقول فيها للناس ان لا خيار، اما التضامن واما الذهاب في عتمة الخراب .. فيما ساستنا يؤكدون لنا كل يوم ان لا امل في الخروج من ظلام الطائفية والانتهازية والمحسوبية، صورة السيدة جوليا وهي تزور مخيم اللاجئين في اربيل دامعة العينين تحتضن طفلا عراقيا وتنصت بكل اهتمام الى شكوى الأمهات وتطمئنهن الى : اننا لن نسمح بظلم إنسان واحد، ايا كانت جنسيته ودينه ” .. فيما نحن نعيش في ظل ساسة مصرين ان ينقلونا من احضان المواطنة الى أحضان الطائفية.
مع هذه الصورة للممثلة التي “للأسف” لا تلبس الحجاب ولا تكتب على صفحتها في الفيسبوك شعارات دينية ، واهازيج ثورية ، تذكر أيها القارئ عدد ضحايا العمليات الإرهابية التي وقعت في مدن العراق خلال الأشهر الأخيرة، وأتمنى عليك ان تمسح من ذاكرتك هذا الرقم: “مليونان ونصف المليون مهجر منذ بدء دخول داعش الى الموصل”، يرفض نوابنا الكرام ان يراهم الناس في لحظة ضعف بشري.. فكيف يمكن لسياسي منتخب بأربعمئة صوت، ان يجلس على الأرض يحيط به أطفال إيزيديون ومسيحيون ، وكيف يتسنى لصاحب المصفحة ان يذهب الى مخيم الخازر او حديثة ، وهو الذي يملأ الفضائيات والصحف خطبا ومعارك نارية عن الاقصاء وعن المظلومية ، لكنه يصمت لموت العشرات كل يوم، ونراه يتحيّن الفرص للتمتع بإجازة الصيف والشتاء في مولات دبي وأسواق بيروت وشوارع لندن ، في الوقت الذي حملت إلينا الصحف خبراً يؤكد أن تبرعات ” الكافرة ” أنجيليا جولي تجاوزت الـ 25 مليون دولار كان أكثرها من نصيب لاجئي سوريا والعراق ، فيما فضائياتنا لاتزال تتباهى بصورة نائبة تشتم الجميع!
يدخل النائب العراقي إلى البرلمان وهو يتحدث عن المظلومية وحق الناس بالأمن والرفاهية ، فيتحول في النهاية إلى مقاول يوزع الإكراميات والعطايا والعقود على الأقارب والأصحاب والأصحاب .. لا يذهب بكم الخيال بعيدا وتعتقدون أنني أقصد نواب بالاسم والوصف، لا أيها السادة لا استثناء في هذا الأمر الكل رابح.. أما الخاسر الوحيد فهو المواطن المسكين الذي ارتضى أن يعيد انتخاب نواب لا يحبّون أوطانهم وتراهم يرفعون السيوف بوجه كل من يتحدث عن دول الجوار، فعواصمهم هي أنقرة وطهران والرياض والدوحة، ولم يُظهر العقوق ونكران الجميل للعراق أحد مثل نوّابه ” الأفاضل ” !
سيدتي أنجيليا.. من هذه البلاد المليئة بالاسى والموت والكذابين ، ارفع اليك التحية والتقدير ، أليست اللمسة الإنسانية ، أعظم من الصوت الفارغ؟ أليست يد حانية نضعها على رأس طفل مهجر ويتيم ، أطيب عطرا من كل شعارات الارادة وهلوسات الانبطاح؟
مرة اخرى من هنا ، من هذه البلاد المليئة بسقم الساسة وتهتكهم، أرفع لك التحية ، لانك شجاعة وامرأة حق ومحبة، وحدهم الانقياء يتجاوزون الخوف على مصالحهم وحياتهم ، من اجل الخوف على حياة الضعفاء والمستضعفين .