اراء و أفكـار

إنهم يكذبون في حضرة الرسول

احمد الجنديل

أنْ تخرج تظاهرات مليونية غاضبة يشارك فيها قادة وممثلون لأكثر من خمسين دولة تندد بالاعتداء الدموي الذي استهدف مقر الأسبوعية الفرنسية الساخرة (شارلي ايبدو) وتستنكر التطرف الديني، وتتضامن مع أسر الضحايا، فهذا مصدر اعتزاز وفخر لفرنسا كدولة وللفرنسيين كشعب، فالدولة الفرنسية يعزّ عليها شعبها، والشعب الفرنسي يعرف واجبه الوطني، فخرج معبّراً عن غضبه في هذه التظاهرة المليونية.
ومن يتابع سيل الغضب العارم، وتصريحات بعض السياسيين العراقيين، وما أبدوه من شجب واستنكار، يشعر بأنياب الحزن تنهش في روحه، وتمزق أوردته وشرايينه، فقد خرج هذا البعض من جحورهم المظلمة، وهم يتباكون على هذه الجريمة النكراء، والفعل الشنيع الذي حصد حياة الأبرياء الآمنين في فرنسا، في حين لم نجد من هؤلاء موقفاً واحداً ينم عن أسفه عندما تتناثر أجساد العراقيين على أرصفة الطرقات بفعل الإرهاب، ومن ساهم في خلقه واستفحاله طيلة السنوات العجاف التي مرت على العراق، فأكلت مئات الآلاف من أطفاله ونسائه وشبابه.
ومن يسمع ببرقيات التعازي وعبارات الحزن، وهي في طريقها إلى الاليزيه، يختنق بفساد البعض الآخر من السياسيين الذين آثروا الصمت، معتبرين ما حصل ردة فعل للإساءات المتكررة على رسول المحبة والخير، ويعلم الله وسيد المرسلين، وكل الأنبياء والأولياء والصالحين، أنّ أكثر من أساء إلى نبينا الكريم، هم هؤلاء الذين حللوا حرامه، وحرمّوا حلاله، واختطفوا اللقمة من فم الطفل الجائع، وسرقوا حقوق الفقراء، وسفكوا دماء الأبرياء، وانتهكوا الأعراض، ثم بعد كل ما فعلوه من آثام وكفر، خرجوا علينا متبخترين محذرين من تجاوز الخط الأحمر الذي يسيء إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، بعدما قاموا بالقفز على كل الخطوط من أجل مصالحهم وشهواتهم.
الذين طيّروا كلمات الرثاء وعبارات التعزية، أرادوا أن يظهروا بمظهر إنساني متحضر، والذين آثروا الصمت، أرادوا أن يقولوا نحن أصحاب مبادئ ودين، والله وملائكته يشهدون على كذب الطرفين، فمن لا يحترم شعبه، ولا يوقف النزيف الذي يتعرض له أبناء وطنه، ويحارب الفساد، ويعمل على وقف الإرهاب بكل أشكاله ومسمياته، لا يمكن له السير مع الإنسانية والتحضر والمبادئ في طريق واحد.
اللهم رب العزة والجلالة، اخسف بهؤلاء الأرض، امسخهم كما تقتضي عدالتك وحكمتك، فلقد أسرفوا في الظلم، وتمادوا في الكفر، ومارسوا كل صنوف الفساد والرذيلة، فإن لم تفعل أيها الرحمن الرحيم، فقل لنا: لماذا خلقت جهنم بزفيرها وشهيقها إن لم يكن وقودها من خانوا أوطانهم، وشردوا شعوبهم؟
إلى اللقاء..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً