حروب أوباما.. إرث غير عادي
إميل أمين*
كيف تمضي الأقدار بالرئيس الأميركي باراك أوباما، ذاك الذي تجرأ على الأمل ذات مرة، وقدر العالم مسبقا نواياه الطيبة، وعليها تم منحه جائزة نوبل للسلام؟
يلفت النظر في الأسابيع القليلة المنصرمة هذا القدر الكبير من القراءات والتحليلات السياسية الأميركية الرصينة التي تؤكد أن أوباما أضحى الرئيس الذي عزز من توسيع صلاحيات الرئيس والرئاسة في واشنطن لجهة الحروب، كما أزال المكابح المسؤولة عن إيقاف آلة الحرب، وربما بات السؤال: هل تندفع واشنطن عما قريب في حرب برية شاملة جديدة في الشرق الأوسط؟
ربما سيحلو لأوباما أن يمارس السياسة عن طريق الحروب، فالحروب عند كلاوز فيتز الأستاذ الأول لعلوم الصراع في العصر الحديث، هي السياسة بوسيلة أخرى. أضف إلى ذلك أن أوباما حاول ظاهريا أن يكون رئيسا مختلفا عن أسلافه من سكان البيت الأبيض، ذلك أن كل رئيس أميركي يعرف أن مكانته بين ساسة بلاده وفي تاريخها لا تكتمل إلا بأن تكون له حربه الخاصة، التي يثبت فيها رجولته ويظهر للشعب الأميركي أنه وفي لعقيدته، وممثل هذه العقيدة.
في تقرير مثير جدا للاهتمام نشرته مجلة «ذا أتلانتك» الأميركية، نقرأ كيف أن باراك أوباما قد وسع إلى حد كبير إمكانية أن يختار رؤساء الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية دون الحصول على إذن. هل هذا انقلاب على الديمقراطية الأميركية العتيدة وعلى الدستور الأميركي، الفاصل كحد السيف بين السلطتين التشريعية، والتنفيذية؟
المقطوع به أن أوباما ترك «إرثا غير عادي لقوى الحرب»، وجعل من السهل بالنسبة للرؤساء الأميركيين أن يقوموا بشن الحرب من جانب واحد، والعهدة هنا على الراوي جاك غولد سميث، الذي قاد مكتب المستشار القانوني في إدارة جورج بوش الابن. في ما يتمثل هذا الإرث؟
ربما يتضح بشكل جلي في ثلاث نقاط:
– الارتكاز بشكل مطلق إلى المادة الثانية من الدستور الأميركي والتي تخوله الحرب من جانب واحد، حال تهدد الاستقرار الإقليمي.
– الاعتماد على قرار سلطات الحرب، والذي صدر في أعقاب حرب فيتنام، ويقوم بتحديد المدة التي يمكن للرئيس شن الحرب خلالها دون الحصول على تفويض من الكونغرس.
– استغلال فكرة الحرب على الإرهاب، بعدما منح الكونغرس في سبتمبر (أيلول) 2001 للرئيس الأميركي قانون استخدام القوة العسكرية (AUMF) لمواجهة الدول أو المنظمات أو الأشخاص المعادين لأميركا.
والشاهد أن أوباما قدم نفسه للعالم على أنه رئيس زمن السلام، غير الراغب في «أزمنة الحرب»، لكن الثابت أن تحليلا ما للعديد من التدخلات الأميركية حول العالم، لا سيما في الشرق الأوسط، يفيد بأن أوباما لا يعتبر الأمر حربا إلا إذا كان هناك تدخل بري، أما الضربات الجوية والقصفات الصاروخية، وعمليات الاستهداف عبر الطائرات من دون طيار، فلا يعدها أوباما صراعات تدخل في التكييف القانوني للحرب.
ماذا الآن ونحن أمام انقسام سياسي حاد في الداخل الأميركي بين كونغرس جمهوري بمجلسيه وإدارة ديمقراطية شبه عرجاء، وربما ستقترب من الشلل عما قريب؟
بعد بضعة أيام من استحواذ الجمهوريين على الكونغرس، كتب رون بول، وهو والد السيناتور الجمهوري راند بول، تغريدة عبر وسائط التواصل الاجتماعي قال فيها «إن سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ تساوي توسعة حروب المحافظين الجدد في سوريا والعراق. والأحذية على الأرض قادمة».
وحال معرفة أن السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي تركت حرب فيتنام في عقله وجسده آثارا لا تمحى، سيضحى الرئيس المقبل للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، فإنه يعن للمرء أن يتساءل عن حالة الحرب التي باتت قائمة بالفعل داخل الكونغرس، والسؤال في هذه الحالة: هل سيزايد أوباما على المزايدين لزج بلاده في حرب برية واسعة النطاق من جديد؟ ربما لا يتذكر الكثير منا أن باراك أوباما قد صرح منذ فترة ليست بعيدة، على هامش أزمة الأسلحة الكيماوية السورية، بأن «التاريخ يرينا أن التحرك العسكري يكون في قمة نجاحه عندما يأذن به ويدعمه الجناح التشريعي، وأنه من الأفضل دائما الحصول على موافقة الكونغرس مسبقا على أي عمل عسكري». أيفيد هذا التصريح بأن الأجواء الآن باتت شبه ناجزة لقرار حرب شرق أوسطية أميركية جديدة، تتيح للاستراتيجية العسكرية الأميركية تصحيح ما ارتكب من أخطاء في عهد بوش الابن، ومضى في هذا الخطأ أوباما نفسه، ونقصد هنا الانسحاب من العراق ومن أفغانستان بعد التكاليف الباهظة التي تم دفع ثمنها هناك؟
في كل الأحوال الآن لدينا رئيس سهّل للرؤساء الأميركيين القادمين شن الحروب من دون موافقة الكونغرس، لكن مع وجود كونغرس به نسبة عالية من المحافظين، ومن مخلفات الحروب الفكرية، سيضحى من اليسير أن نرى النيران مشتعلة في دول ومناطق أخرى من جاكرتا إلى طنجة.
قعقعة السلاح في واشنطن يتردد صداها الآن في الشرق الأوسط، فأوباما سيطلب من الكونغرس الجديد خلال جلسة ديسمبر (كانون الأول) المقبل، التصويت على ترخيص الحرب الجديدة ضد «داعش»، وماكين يدعمه بالقول «أعتقد أنه حان الوقت لتفعيل تفويض استخدام القوة العسكرية، أي إعادة العالم إلى زمن 11 سبتمبر 2001».
هل يمضي أوباما على هدي أمير الدهاء العتيد نيكولا ميكيافيلي؟
يؤمن الأخير بأن الحرب بالنسبة للرجل كما الولادة بالنسبة للمرأة، ويبدو أن الأول بات مؤمنا في المطلق بآراء معلم البراغماتية الأول عبر التاريخ.