اراء و أفكـار

تعايش المسجد والكنيسة

فيصل عابدون

تثبت الدولة المصرية مرة جديدة ريادتها في المنطقة وهي تدشن كاتدرائية ميلاد المسيح جنباً إلى جنب مع مسجد الفتاح العليم في عاصمتها الإدارية الجديدة، في خطوة تكرس روح التعايش والسماحة بين أبناء الديانتين، وتبقى علامة بارزة ترسل إشعاعاتها الحضارية على مر الدهور والأزمان.
وعلى عكس الكثير من دول المنطقة، فإن مصر لا تعاني من تعدد المذهبيات ويميل ميزانها الديني بدرجة غالبة إلى ناحية التصوف، بينما تتبع الغالبية الغالبة من مسيحييها الكنيسة القبطية، وهذه الثنائية المتجاورة ظلت على مر التاريخ تعيش تآخياً فريداً، لا تعكره تقلبات السياسة بأطوارها المختلفة بل تزيده تماسكاً وقوة.
ويحفظ المصريون في تاريخهم العديد من القامات الوطنية القبطية. ومن أبطال مصر في ثورة 1919 القس مرقص سرجيوس، وكان خطيب الشعب المصري خلال ثورته على المستعمر الإنجليزي. وكانت خطبته الشهيرة من منبر الجامع الأزهر والتي دعا فيها المصريين إلى توحيد الصف والكفاح لإنهاء الوجود الاستعماري، الشرارة التي أطلقت روح المقاومة وأصبحت رمزاً سحرياً يلهم الأجيال، وأطلقت مصر على بطلها لقب خطيب المنبرين.
هذا الانسجام والتآخي والمشاركة الروحية بين أبناء الوطن الواحد، تعرض لتحديات كبيرة مع ظهور التيارات الانعزالية المتطرفة التي عملت على نشر بذور الفتنة وإذكاء روح الكراهية ومحاولة تمزيق النسيج الاجتماعي المتماسك، وكل ذلك تحت دعاوى دينية ملفقة وكاذبة. واجهت وحدة المصريين تحديات حقيقية من التيارات الظلامية ولاقت مخططاتها نتائج متباينة لكنها كانت في حقيقتها تيارات عابرة تفتقر إلى المعرفة التاريخية ومنبتة بلا جذور ثقافية تسندها في الأرض المصرية.
إن تدشين كاتدرائية ميلاد المسيح ومسجد الفتاح العليم المتجاورين في العاصمة المصرية يتأسس أولاً وقبل كل شيء على جذور الثقافة المصرية الأصيلة والحضارية والمتدينة، وهو بهذا المفهوم يمثل ترياقاً لبقايا التيار الرجعي المتخلف وتأسيساً لانطلاقة جديدة في إعادة تموضع الأمة الواحدة في مسارها التاريخي التقدمي باتجاه المستقبل.
واعتبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب افتتاح صرحَي العبادة حدثاً فريداً لم يحدث من قبل على مدى تاريخ المسيحية والإسلام، مشيراً إلى أن تجاور الكنيسة والمسجد يشكل نموذجاً لتجسيد مشاعر الأخوة والمودة المتبادلة بين المسلمين والمسيحيين في مصر.
ويمثل الصرحان المتزامنان في بداية العمل بهما وانتهائه، إضافة معمارية مهمة. فالكاتدرائية هي الأكبر من نوعها في الشرق الأوسط، وتتكون من كنيستين كُبرى وصُغرى، وقاعة للمناسبات وقاعتين فرعيتين، وغرف تعميد واستراحة وغرفة للتحكم، وتم تشييدها على مساحة 4.14 فدان. ومسجد الفتاح العليم هو أكبر مسجد في مصر من حيث المساحة والتجهيزات ورابع أكبر مسجد في العالم، ويتكون من مبنى أرضي على مساحة 6335 متراً، ومصلى للرجال يستوعب بين 14000 و16000 مصلّ، ويضم مصلى للنساء يتسع ل 3000 مصلية، إضافة إلى متحف الرسالات السماوية ودار لتحفيظ القرآن الكريم، ومستشفى خيري بسعة 300 سرير. ويحتوي المسجد على أربع مآذن بارتفاع 90 متراً، علاوة على القبة الرئيسية للمسجد بمساحة فدان، و4 قبب ثانوية، وقاعتي محاضرات.

“الخليج”

مقالات ذات صلة