اراء و أفكـار

تحولات المشهد في تونس

لم يكن حتى أكثر المتشائمين للمشهد القائم في تونس، يتوقعون أن ينهار حزب «نداء تونس»، الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي؛ ليخوض به الانتخابات الرئاسية الأخيرة ضد منافسه المنصف المرزوقي، المدعوم من حركة «النهضة»، ويتحول إلى كيان تعصف به التجاذبات السياسية والفكرية؛ بعد أن وصل الأمر إلى خلاف معلن بين رئيس الوزراء، المنتمي إلى الحزب يوسف الشاهد، وحافظ السبسي، نجل الرئيس، الذي دخل في خصومة سياسية مع الرجل الأول في الحكومة، وأدت إلى انقسام الحزب، كما أثرت في موقعه في خريطة البرلمان، وسمحت لحركة «النهضة» بأن تتحول إلى القوة الأولى فيه، وتسحب البساط من تحت أقدام الحزب، الذي انقسم في الولاء بين الخصمين اللدودين.
ونتيجة طبيعية للوضع الاستثنائي داخل «نداء تونس»، كان لزاماً على الرئيس السبسي، أن يتدخل؛ للفصل في الخلافات، التي دبت بين نجله والشاهد، فأعلن موقفاً مناهضاً للأخير، مطالباً إياه باللجوء إلى البرلمان؛ لتجديد الثقة في حكومته والحصول على ما سمّاها «الشرعية السياسية»، خاصة بعد أن اتجه الشاهد إلى تشكيل حزب جديد تحت مسمى «كتلة الائتلاف الوطني»، في مسعى منه إلى وراثة الحزب؛ إثر انحياز نواب كثر إلى مشروعه.
دعوة السبسي للشاهد باللجوء إلى البرلمان؛ للحصول على ثقته و«شرعيته السياسية»، كما قال، تأتي استشعاراً للخطر، الذي بات يهدد بإزاحة الحزب من دائرة التأثير في المشهد السياسي القائم في بلد كان الكثير يرى أنه تجاوز مرحلة الصراعات السياسية، وبدأ يعيد ترتيب أوضاعه الداخلية؛ إثر الموجة التي ضربت العديد من الدول العربية عام 2011، فيما عرف ب«ثورات الربيع».
الانقسام وغياب الوحدة السياسية ملمحان بارزان في تونس اليوم، وهو مشهد لم يعد ينكره أحد، بمن فيهم الرئيس السبسي نفسه، الذي أشار مؤخراً إلى أن البلاد تعيش أزمة أثرت في حياتها السياسية والاقتصادية. وقد أدى ذلك إلى منح «النهضة» مساحة لاستعادة ما خسرته في الانتخابات الأخيرة، ما دفع بالحركة إلى إنهاء علاقتها بحزب «نداء تونس» في خطوة على ما يبدو تعد توجهاً لإعادة تموضع التحالفات السياسية من جديد؛ بعد أن بدأ يصعد نجم رئيس الوزراء يوسف الشاهد، الذي يبدو أنه على وشك وراثة الحزب؛ بعد إعلان العشرات من أعضائه الاصطفاف إلى جانبه في معركته ضد نجل الرئيس.
انتهاء العلاقة بين «نداء تونس» و«النهضة» سيفسح المجال، بلا شك، لبروز تحالفات من نوع جديد، أساسها التقارب بين كتلة الشاهد الجديدة و«النهضة»؛ وهي قضية من شأنها أن تزيد من حرارة الأزمة السياسية في البلاد، وربما تؤدي إلى تشكيل خريطة سياسية وبرلمانية جديدة تتحكم فيها «النهضة»، التي تؤيد بقاء الشاهد رئيساً للوزراء وإبرازه لاعباً مؤثراً في المشهد التونسي خلال السنوات المقبلة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة