اراء و أفكـار

الحرب وفوضى القتل

عبد الإله فهد

يشهد العالم منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل وحتى وقتنا الحاضر، عشرات الصراعات والحروب، منها داخلية ومنها خارجية، بدعم وتمويل خارجي، لتحقيق مصالح أو نفوذ الدول الداعمة في بلدان الصراع، أو تحجيم وتقليص مصالح ونفوذ دول أخرى.
ومن تلك الصراعات على سبيل المثال لا الحصر، نذكر الحرب العالمية الأولى (1914 ــ 1918) التي ذهب ضحيتها أكثر من 8 ملايين شخص، ثم تلتها الحرب العالمية الثانية (1939 ــ 1945) التي ذهب ضحيتها قرابة 70 مليون شخص. كذلك نذكر الحرب العراقية الإيرانية 1980 ــ 1988، ثم تلاها احتلال العراق للكويت عام 1990 وحرب تحرير الكويت، ثم الغزو الأمريكي للعراق 2003، وقد ذهب ضحية هذه الحروب أكثر من مليوني نسمة والإحصائيات متضاربة في شأن هذه الحروب. هناك أيضا الحروب الخارجية والداخلية في الكونغو لتغيير النظام، التي ذهب ضحيتها قرابة 5 ملايين نسمة.
كان لبعض هذه الحروب صبغة دينية كحرب البوسنة 1992ــ 1995، التي خلفت أكثر من مئة ألف قتيل، بينهم عشرات الآلاف من النساء، وحالات لا تحصى من الاغتصاب وأعمال التطهير العرقي، وجرى تشريد أكثر من مليوني نسمة. حروب أخرى كانت سلطوية بامتياز تهدف لزيادة النفوذ كالحرب السوفييتية في أفغانستان، التي استمرت عشر سنوات من عام 1979 إلى 1989، بعد دخول الاتحاد السوفييتي حربا مفتوحة للاستيلاء عليها، وما لبثت الولايات المتحدة وبعض الدول العربية أن دعمت المقاومة الافغانية في حرب مضادة ضد السوفييت نتج عنها انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان، ثم بدء تفكك وانهيار الدولة السوفييتية إلى مجموعة دول في بداية التسعينيات من القرن الماضي على يد زعيمه في ذلك الفترة ميخائيل غورباتشوف.
وكانت هناك أيضاً حروب اقتصادية من أجل السيطرة على الثروات، كالحرب الأمريكية على العراق بحجة امتلاك العراق للأسلحة البيولوجية والنووية، الذي نتج عنها تدمير العراق بنيوياً واجتماعياً، وتحويله إلى ساحة صراع مستدام بين السنة والشيعة. وجاءت ثورات الربيع العربي في بداية عام 2011 لتكون مختلفة بشكل شبه كلي في بداياتها عن الحروب السابقة، حيث انطلقت على شكل حراك شعبي، ليس لديه الرغبة في السيطرة على الحكم أو إسقاط الأنظمة، وإنما لتحقيق مطالب واضحة تتعلق بالحريات والمساواة والعدالة في العيش لجميع أبناء الشعب، وليس التسلط والسيطرة لفئة معينة على الحكم والقضاء والاقتصاد وفرص العمل. وسرعان ما تنبه المتسلطون على الحكم، والمسيطرون على مراكز صنع القرار لمخاطر هذا الحراك، وخططوا لتحويله إلى حرب وإرهاب، لذلك قابلوا هذا الحراك بالاعتقال والقتل أو الالتفاف على هذا الحراك، والدعم الخارجي لبقاء تلك الديكتاتوريات في سدة الحكم، حيث تم ترك رأس السلطة بشكل متسارع في تونس ومصر. بينما تمسك رأس السلطة في كل من ليبيا (معمر القذافي) الذي قتل على يد الثوار وبقية الحرب بين الدولة العميقة والشعب.
أما اليمن فقد تمت إزاحة رئيسها (علي عبد الله صالح) ضمن اتفاق رعته السعودية وبقيت الدولة العميقة لتتحالف مع الحوثيين ضد الشعب، ما نتج عنه تدخل السعودية بشكل مباشر من خلال عملية «عاصفة الحزم» لإعادة الشرعية. في سوريا كان الأمر مختلفاً بالكلية عن بقية دول الربيع العربي، حيث بقي رأس النظام وبقيت الدولة العميقة، واستجلب الميليشيات والدول لحماية نظامه، من خلال تقديم التنازلات لهم في السيطرة على سوريا، وكان له الدور الأكبر في نشر الإرهاب في الداخل والمنطقة، حيث أمعن في القتل والاعتقال ولا يزال الى الان. التعاطي السلبي مع هذا الحراك حوله إلى ثورات تطالب بإسقاط الأنظمة، ومن ثم تحويله إلى حرب مفتوحة، لا تزال قائمة إلى الآن، ولا توجد أي بوادر لوقف هذه الحروب خصوصاً في سوريا واليمن، كونها أصبحت حروباً بالوكالة من خلال التدخل الدولي في هذه الدول لدعم الأنظمة القمعية من جهة، وتحقيق المصالح والنفوذ من جهة ثانية، وحماية الشعوب والأمن الدولي من ناحية ثالثة.
كانت نتيجة حراك الربيع العربي قتل أكثر من مليوني شخص، وتهجير أكثر من عشرة ملايين شخص، واعتقال مئات الآلاف من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، بالإضافة الى تدمير مدن عديدة بشكل كامل أو جزئي. الفوضى الناجمة عن هذه الحروب تركت الباب مفتوحاً أمام انتشار الإرهاب المتطرف بشكل واسع، أمر دفعت ضريبته الشعوب ولا تزال تدفع في هذه المناطق والعالم من خلال تمدده الأفقي.
العالم يشهد حروبا مستمرة منذ أكثر من مئة عام، لم تتوقف أبداً، وأعداد القتلى فيها تجاوز مئة مليون إنسان قتلوا بشكل مباشر، وربما الأعداد نفسها من خلال الجوع والأمراض الفتاكة، كما تم تهجير مئات الملايين من مناطق الصراعات والحروب، إلى مناطق أكثر أمناً. لقد أدمن العالم على الحروب، الأمم المتحدة التي تحملت مسؤولية حفظ السلام والأمن الدوليين من خلال مجلس الأمن، سنت القوانين وحاولت إنقاذ ضحايا الحروب واللجوء، لكنها فشلت في التوصل إلى حل لوقف القتل بين سكان الكرة الأرضية، وعجزت عن توفير أهم أسباب وقف هذه الحروب، أقصد تحقيق مطالب الشعوب المستضعفة في الحرية والعدالة والمساواة، أمر لم يعمل المجتمع الدولي على تحقيقه بشكل جاد، خاصة أن المستفيد الأكبر من الحروب التي تضمن استمرار عمل مصانع الأسلحة، هو الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تلك الدول التي تبيع 70% من الأسلحة في العالم، أما الخاسر الأكبر فهو الإنسان بغض النظر عن الجنس أو الدين أو اللون أو العرق.
كاتب سوري

نقلا عن “القدس العربي”

مقالات ذات صلة