اراء و أفكـار

روسيا وإنقاذ الأسد من دون إنقاذ سوريا

عبدالوهاب بدرخان

كانت روسيا، منذ تدخّلت في سوريا، واضحةً في أنها ترمي إلى إنقاذ نظام بشار الأسد، وقد فعلت. غير أن ما اكتشفته بوجودها على الأرض أثبت لها أنها أنقذت جسماً هشّاً لم يعد قادراً، مهما دعمته، على حكم البلد مجدّداً. والواقع أن موسكو كانت تعرف هذه الحقيقة، إلا أن التدخل لم يكن لذلك الهدف فحسب، بل لخدمة مصالحها ولاجتذاب الولايات المتحدة إلى مساومة وصولاً إلى «صفقة» استراتيجية. ولم تكن واشنطن مرحّبة ولا راغبة بمثل هذه المساومة، مدّعية أنه باستثناء ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) لا مصالح لها في سوريا، وبالتالي فلا مجال لمقايضة بالنسبة إلى أوكرانيا مقابل سوريا، ثم إن الملفات الأخرى التي تطرحها موسكو (الاعتراف بهيمنة روسيا على جورجيا، سحب منظومة الصواريخ في أوروبا أو تعديلها على نحو يطمئن روسيا، وإعادة النظر في خطط «الناتو» الدفاعية») لا تريد واشنطن مناقشتها في ظل تصعيد و «ابتزاز» روسيين.
إزاء هذا الموقف الأميركي تابع الروس تنفيذ خططهم في سوريا، متوقّعين مقاربة جديدة مع تغيّر الإدارة في البيت الأبيض ومجيء الرئيس دونالد ترمب الذي داوم على تأكيد نيته الانفتاح والتقارب مع موسكو، لكن الجانبين اضطرّا للعودة إلى الواقع بعدما برهنت «الدولة العميقة» في الدولتين أنها مطبوعة منذ عقود الحرب الباردة على المواجهة، ثم إن الكشف المبكر عن اتصالات بين مستشار الأمن القومي مايكل فلين والسفير الروسي في واشنطن وتوسّع التحقيق في تدخّلات روسيا في الحملة الانتخابية واتصالات أخرى جرت خلال تلك الحملة، ما لبثا أن أقصيا الرهان الروسي الخفي إلى حين، أو ربما بشكل نهائي. فما لم تتضح الصورة في واشنطن على نحو يتيح لإدارة ترمب بلورة رؤية استراتيجية فإنه لن يتمكّن من مدّ يده إلى فلاديمير بوتن ليطرح الاتفاقات الممكنة.
هذا الانهيار في توقّعات روسيا انعكس مباشرة على مجمل أدائها في الأزمة السورية، وسط غياب أميركي لم يزعجها مبدئياً إلا أنه لم يشجعها عملياً. فغداة معركة حلب التي ارتكبت فيها جرائم حرب أوحت روسيا بأن اللحظة مناسبة لطرح خريطة لإنهاء الصراع المسلح وتهيئة الظروف المناسبة للمفاوضات السياسية، لكن «الوقف الشامل» لإطلاق النار، بضمانتها مع تركيا وإيران، لم يُحترم إلا من جانب فصائل المعارضة، في حين أن قوات النظام والميليشيات التابعة لإيران لم تلتزمه في أية منطقة على الإطلاق، ثم إن شروط روسيا وحلفائها أدّت إلى عرقلة مفاوضات جنيف، فالنظام لم يبدِ أي استعداد جدّي لمجرد البحث في «الانتقال السياسي» كمدخل وأساس لأي حل سياسي يعتدّ به.
بدل أن تضغط موسكو على النظام ليلتزم وقف النار راحت طائراتها تؤمن غطاءً جوياً لهجمات تشنّها قواته، بل إن غاراتها مسؤولة عن عشرات المجازر للمدنيين؛ لذلك سقطت الهدنة وأُجبرت فصائل المعارضة على الدفاع عن مناطقها. كذلك لم يظهر أي حرص روسي على تفعيل المفاوضات، بدليل أن وفد النظام استهلّ الجولة الخامسة في جنيف مصرّاً على نهج التمييع وإضاعة فرصة جديدة للشروع في تفاوض سوري- سوري لإنقاذ سوريا، لا الاكتفاء بإنقاذ النظام. وأخيراً، بعدما أنعشت روسيا الآمال بأن خطتها لـ «ما بعد حلب» من شأنها أن تصون وحدة سوريا، إذا بكل التحركات العسكرية الجارية حالياً تساهم في استكمال تفتيت الجغرافية السورية.;

نقلا عن “العرب القطرية”

مقالات ذات صلة