اراء و أفكـار

يومَ لا ينفعُ أحدٌ أحداً !

لم أشعر في عقود عمري السبعة بأن العالم ليس مكاناً آمناً وقابلاً للحياة فيه، مثلما أشعر الآن. فكوكبنا تائه كحكامنا، ومنفلت كانفلات سفن الفضاء في أفلام «حرب النجوم»، متجهاً إلى حيث تقوده الأنواء الكونية وقانون الجاذبية.
لا جاذبية للأرض ولا ازدهار أو رضا وقبول. التوتر سيد الموقف، والكوارث تحلق فوقنا كأسراب لا نهائية من الغربان والكواسر.
السلطة في كل مكان سائبة كقطعان تعدو في كل اتجاه .. وما راكمه الحكماء والعلماء عبر القرون من معارف، مهدد بالاندثار في صراعاتنا العابرة للحدود، دون وازع من إنسانية أو خلق أو ضمير أو عقل.
الكل حاقد والتفاهة مستشرية والعواصم الكبرى تأخذ قرارات تتسم بالارتجال والسطحية، والحكومات تبدل سياستها كل أسبوع. ولا أحد يعرف إنْ كان سيستيقظ في الغد، أو إنْ كان سيحصل على قوت أولاده اليوم.
ثم إن آلاف الصواريخ البالستية والرؤوس النووية موجهة إلى لائحة طويلة من المواقع، ولا تحتاج إلا إلى كبسة الزر الشهيرة، «ليتفرقع» الكوكب ويتناثر كالغبار هو وتاريخه ومليارات القاطنين فيه.
وسط هذا، لا شيء يسر بالطبع، أما ربيعنا العربي «العامر» فله شرف الريادة سواء من تلقاء نفسه أو بفعل فاعل، فهو الذي أطلق الشرارة في تونس ثم لحقتها دول كثيرة: سوريا، العراق، اليمن، ليبيا برسم كامل، وبقية الشرق الأوسط الكبير بنصف رسم أو ربع رسم، على خلفية غزوات أميركية للعالم الإسلامي منذ عام «2001».
ومن هنا، من أرض الرباط والصمود والتصدي ــ كما نقول ــ ومن المكان الذي بارك الله من حوله في مكة والقدس، انتقلت عدوى الربيع إلى القارات الخمس.
وأكاد أجزم أنه لا توجد دولة واحدة لم تتأثر بتبعات ربيع أضحى خريفاً ثم شتاء، وإذا كان أكبر تنظيمين إرهابيين في التاريخ (القاعدة وداعش) قد دقا أوتادهما في عشرات الدول ومئات المدن في نذير دامغ على أن الآتي أعظم، فإن أزمات أخرى تبدو غير ذات صلة مثل كوريا الشمالية وبورما ودول عدة في إفريقيا وأميركا اللاتينية، مرتبطة تماماً بالمشهد المأساوي الجماعي.
ومن الشانزلزييه إلى غروزني إلى الطرف الأغر والساحة الحمراء والبارك أفنيو، ومن أزقة القدس وشعاب مكة وكنيسة القيامة، إلى الذبح الطائفي وقطع الرؤوس وهدم المنازل وتدمير المدن وبناء الجدران .. تصرخ الإنسانية وتنعق الغربان إيذاناً بدمار أكبر وخراب أعظم.
ويدرك الجميع أن طوفان الدم والجنون الشامل ما كانا ليتحققا لولا تآمر بني صهيون الذين سرقوا فلسطين وقيدوها واستبدلوها بإسرائيل الغاشمة، ثم حرضوا أميركا على غزو أفغانستان والعراق.
ولا يخفى على أحد أن الغرب «المتحضر» كان خلف «الوعد المشؤوم»، غير أن الحقائق انكشفت بالكامل ولم يعد ثمة مجال للإنكار أو الطعن، وإنما للثأر والانتقام، في ملحمة بدأت سيناريوهاتها بالتشكل.
بقلم : مازن حماد

نقلا عن “الوطن القطرية”

مقالات ذات صلة