الهدنة تشريع للقتل الاسدي
غسان المفلح
بعد اجتماع ماراثوني وهزلي في الوقت نفسه في جنيف، جمع كلا من جون كيري وسيرغي لافروف، مع مرافقة كبيرة من المستشارين والخبراء الأمنيين والعسكريين. بعدها خرج الوزيران وقد اقرا هدنة موقتة في سورية، بدأت اول أيام عيد الأضحى المبارك! ثم تبعها تمديد لمدة 48 ساعة. الهدنة تتم بين طرفين متحاربين. هل روسيا واميركا هما الطرفان المتحاربان في سورية؟ أم أن الاتفاق على الهدنة تم من أجل اهداف أخرى؟ السؤال المهم هنا هو: إذا كانت روسيا تستطيع فرض الهدنة على الأسد، فكيف لاميركا ان تفرض الهدنة على قوى المعارضة المسلحة، المتنوعة القيادة والتوجه والدعم؟ كيف تقود أميركا أوباما الطرف المسلح المناهض للاسد؟ هل كان بمقدور جون كيري ان يوقع على اتفاق الهدنة، لولا انه يمسك الملف لجهة المعارضة؟ تأخر دخول المساعدات إلى المناطق المحاصرة في حلب رغم جاهزيتها، أرجعه المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا إلى رفض النظام إعطاء تصريحات لقوافل الإغاثة بالعبور.علما ان قرار مجلس الامن رقم 2165 لعام 2014 سحب من النظام قدرته على منع دخول المساعدات الانسانية الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام كما نص على السماح بدخول المساعدات الانسانية عبر المعابر الموجودة تحت سيطرة المعارضة. ان دخول المساعدات الانسانية الى اي منطقة سورية لا يحتاج موافقة أو رخصة من النظام وانما تكتفي المؤسسات الدولية بإخطاره كما تقوم بإخطار المعارضة أيضا . تصريح ديمستورا هذا الذي قال فيه انه يأمل ان يعطي النظام التصاريح اللازمة لدخول المساعدات الانسانية الى حلب فيه مخالفة لقرارات مجلس الامن ذات الصلة و في مقدمتها القرار 2165 لعام 2014 ويعبر عن نوايا ديمستورا في اعطاء الروس و النظام هامش جديد للمناورة . وسارعت روسيا إلى إنشاء نقطة مراقبة متنقلة على طريق الكاستيلو، نقطة التفتيش هذه تأتي لضمان خلو المحور الأساسي لدخول المساعدات من السلاح وفقا للاتفاق الروسي- الأميركي. خطوة سرعان ما لاقت انتقادات واسعة وتشكيكا من المعارضة في نوايا موسكو.من جانبه، طالب المجلس المحلي للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، بأن يكون هو المشرف الوحيد على استقبال المساعدات وليس النظام السوري وحلفاؤه. فواشنطن التي تولّت دائماً مهمة ضبط المعارضة، وموسكو التي تدخّلت لإنقاذ النظام، تجاهلتا التدخّل الإيراني كأنه غير موجود رغم أنه ماضٍ في زرع وقائع من شأنها أن تفسد أي حلول مقبلة. لذلك اعتبرت طهران أن الدولتين الكُبريين مؤيدتان لدورها في سورية، حتى أنها طالبت بـ “آلية مراقبة شاملة” لوقف إطلاق النار، ودعت خصوصاً إلى “مراقبة الحدود لمنع وصول إرهابيين جدد:، مع أن طائراتها تحمل يومياً المزيد من مرتزقتها لرفد وجودها الذي بات احتلالياً بكل معنى الكلمة. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ينفي علمه بمضمون الاتفاق الأميركي الروسي وأيضا دي ميستورا لا يعلم شيئاً وينتظر الإفصاح عنها، ووزير الخارجية الفرنسي يصرح بانه ينبغي على واشنطن إطلاع حلفائها على نص الاتفاق المبرم مع الروس، فقط معارضتنا تعلم بكل شيء وقد أبدت رغبتها واملها في نجاح الاتفاق. الملفت للنظر أن فرنسا طالبت الاميركان على لسان وزير خارجيتها، اطلاع حلفائها على الاتفاق، حلفاء أميركا لا يعرفون فحوى الاتفاق بينما إيران تعرف، لأنها معنية أميركيا بتنفيذ جزء من بنود الاتفاق، وروسيا لان روسيا تحتاج دعمها. الاتفاق في بنوده الرئيسية حتى وإن احتوى على تفاهمات سياسية إلا أنه اتفاق، لتحديد من نقتل. الاتفاق على هوية الضحية. هذه المروحة من الاخبار والتحليلات اوردناها بقصد، القول على طريقة المثل الشامي “الطبل بدوما والعرس بحرستا” لم يأت احد على ذكر من هو الضحية بالاتفاق؟ هذه نقطة أولى. النقطة الثانية توضح بما لايقبل الشك أن أميركا ممسكة بالملف السوري بوصفه ملفا امنيا، حركة قوات المعارضة وقدرتها الفائقة على ضبطها. النقطة الثالثة داعش التي ذبحت اول يوم العيد 15شابا من ديرالزور، بطريقتها الإيرانية في الانتقام، لم يأت الاعلام الغربي على ذكرهم، توضح ان “داعش” مهندسة دولية وإقليمية، والجميع قادر على اقتلاعها باللحظة المناسبة أميركيا. النقطة الرابعة توضح أن الاتفاق وضع المعارضة السياسية في خانة ضيقة جدا، لدرجة لا مساحة لهم كي يقرأوا الاتفاق حتى لو وصلت بنوده إليهم. الاتفاق لم يتسرب منه شيء عن قضية إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة من قبل الأسد والميليشيات الإيرانية. من سيوصل هذه المساعدات؟ دي مستورا يصرح اننا بحاجة لموافقة الأسد، كي تصل المساعدات. من لا يقتله الأسد تقتله الأمم المتحدة. أخير: من لم يكن ينظر للسوريين والاسد يقتلهم، لن ينظر لمن تبقى منهم كمحاصرين كي يدخل لهم الدواء والغذاء اوباما شخصيا مسؤوليته الجرمية اكبر من مسؤولية روسيا والأسد وإيران. لايوجد شيء عن ملف المهجرين والنازحين والمعتقلين والمفقودين والمقتولين تحت التعذيب. الشعب السوري أو من تبقى منه ينتقل إلى شرعية جديدة يقتل على أساسها هذا هو الاتفاق. لكن بالمقابل الهدنة مطلب لوقف حمام الدم هذا.
نقلا عن “السياسة الكويتية”