القمة.. قرار يعثره «التاريخ»
أيمن الحماد
القمة العربية كادت ألا تعقد هذا العام بعد أن تأخرت عن موعدها قرابة ثلاثة أشهر، بعد أن تخلت المغرب عن دورها في الاستضافة تحت مبرر عدم الفائدة من انعقادها، ويكشف هذا الوضع حالة من الخلل تعتري الجسم العربي المنهك والمثخن بجراحات طالت جسده فأتت على تاريخه وجغرافيته وثقافته وأحالتها إلى وضع غير قابل للتشخيص أو الوصف، فالتأخير مرده الاضطرابات التاريخية التي أتت على كل شيء في منطقتنا، وأشد ما أتت عليه أزمة الوطن العربي هو الإنسان العربي الذي غدا رقماً غارقاً أو لاجئاً أو مطموراً تحت ركام منزله.
يبعث الوضع العربي على التشاؤم بالرغم من إطلاق “قمة الأمل” على اجتماع نواكشوط، لكن الحالة العربية الحاصلة اليوم هي حصيلة سنوات تدهور شهدها العالم العربي ولم تكن وليدة لحظة عابرة، فعمق الأزمة اليوم، وتعقيداتها، وتداعياتها تجعلك تصل إلى نتيجة واحدة بأن كل ما كانت تحتاجه هذه المنطقة شرارة تحيلها إلى ما هي بصدده اليوم.
إلا أن الوضع الحاصل يجب أن يكون جزءاً من تاريخ يروى لأجيال قادمة تنتظر أن تعيش بسلام في أوطان طبيعية.. عندما قامت موجة الاستقلالات العربية كان المواطن العربي يكافح لإجلاء الاستعمار عن بلاده، واليوم نأسف عندما نرى أن بعض الدول العربية أصبحت مخترقة بفضل بعض أدعياء العروبة، لتنهبها أشرف ما لديها هويتها وعروبتها.
معظم الخطر الذي يحيق بالوطن العربي منبعه أمران؛ الاقتصاد والأمن وبدونهما سوياً يُفقد أحدهما، وللأمن أولوية في التحقق وبدونه لا اقتصاد يمكن أن ينمو ولا تجارة يمكن أن تمارس، ولذا كانت صيانة الأمن القومي العربي قضية أساسية للعرب، لكن الإشكال عندما يتخاذل بعض العرب في حفظ أمنهم ويتخاذلون في وصف الأمور بمسمياتها ويعجز أولئك عن تسمية الإرهاب باسمه ووصفه بأوصافه التي تستحق، فعندما نقول إن طهران تمثل خطراً على الأمن القومي العربي بدلائل لا يحتاج إبرازها إلا تشغيل جهاز التلفاز، ونتفاجأ بتلكؤ وتحفظ من البعض فإننا من الضروري أن نتساءل إلا أين يذهب ذلك البلد ومواطنوه؟
إن المغزى لإقامة القمة العربية بالرغم من حالة الوهن التي يبدو عليها الوطن العربي هو إظهار قدرة هذا الكيان على الصمود في أحلك وأشد مراحله قسوة، وإذ نشكر لموريتانيا تمسكها بحقها في الاستضافة، إلا أننا يجب أن نتعدى ضرورة انعقاد القمة إلى مرحلة نسأل فيها؛ ماذا يمكن أن تقدم تلك القمم؟
نقلا عن “الرياض”