اراء و أفكـار

التراجع عن القيم

منذ فترة تقوم الحكومة «الإسرائيلية» واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وأوروبا بحملة منظّمة من أجل وقف التسارع في نشاط المقاطعة الذي تقوم به منظمات غربية ضد منتجات المستوطنات «الإسرائيلية» والمنتجات الحربية والجامعات التي تساعد قوات الاحتلال. في البداية كان الظن أن حملة المقاطعة ستكون بدون تأثير يذكر، غير أن تعاظمها وتوسعها ومن ثم تأثيرها الإعلامي والسياسي المتزايد أدى إلى ضغط ممنهج على الحكومات الغربية من أجل منع هذه الأنشطة وتجريمها.
فلا عجب أن نرى أن ولايات في أمريكا وبلديات في بريطانيا تعمل على وضع إجراءات بالتعاون مع اللوبي الصهيوني من أجل منع وتجريم أنشطة المقاطعة. ولم يلتفت هؤلاء إلى أن المحكمة الأمريكية العليا سبق لها أن أصدرت حكماً يؤكد أن المقاطعة «المتصلة بالأنشطة الرامية إلى التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي يقع ضمن الخطب السياسية» ، وهذه تخضع لمتطلبات حرية التعبير التي يحميها الدستور الأمريكي. فتجريم مثل هذه الأنشطة التي ترمي إلى تغيير سياسي في سياسات الاحتلال «الإسرائيلي» مخالف لنص الدستور الأمريكي ، وهو أكثر من ذلك تشجيع مباشر للاحتلال الذي يدينه القانون الدولي. كذلك الأمر في بريطانيا التي أعلنت حكومتها أنه سيكون أمراً غير قانوني للمجالس المحلية واتحادات الطلاب رفض شراء السلع والخدمات من الشركات المتورطة في «تجارة السلاح ومنتجات المستوطنات في أراضي الضفة الغربية». وهذا يعني أن مقاطعة منتجات المستوطنات غير الشرعية دولياً أصبحت معرضة للتجريم.
ويبدو أن الأمر لن يقتصر على حملة المقاطعة، فاللوبي الصهيوني يسعى من أجل أن يساوي بين سياسات الاحتلال «الإسرائيلي» والعداء لليهود، أو ما يسمونه العداء للسامية. وهذا يعني أن الغرب أصبح لا يقيم وزناً حتى للقيم التي يعظ الناس بها بعد أن تخلّى عن الشرعية الدولية وحماية القانون الدولي. وهو أمر يعكس الضعف والتراجع في البلدان الغربية التي لم تعد الأولى المتحكمة في العالم، بل إن صعود بلدان أخرى اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً أصبح يربكها، ويجعلها تتخلى عما كانت تعلنه من مبادئ ، لأن ذلك يهدد مصالحها. ولكن التخلي عن القيم التي كانت تتغنى بها هذه الدول، وتراجعها عن حماية الشرعية الدولية من انتهاكات الكيان الصهيوني لن يأتي لها إلا بمزيد من الضعف.
وهو ضعف سيحصل لأنها ستخسر التقدير الذي كان يمكن أن تحظى به من دول العالم بدفاعها عن قيمها، وداخلياً لأن ذلك سيضطرها إلى تقليل مساحة الحرية في بلدانها.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً