اراء و أفكـار

مراوغة وتضليل

صحيح أن الاتحاد الأوروبي عملاق اقتصادي لكنه يأبى إلا أن يظل قزماً سياسياً، لا يستطيع الخروج من تحت العباءة الأمريكية، أو اتخاذ قرار لا يتطابق مع السياسة الأمريكية، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لقد دأبت أوروبا على اتباع سياسة ملتوية إزاء الممارسات «الإسرائيلية» العنصرية العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني، فهي تارة تحاول الظهور بأنها تدعم الحقوق الفلسطينية وترفض سياسات الاستيطان والتهويد، وتارة أخرى تمتنع عن إدانة ما تقوم به «إسرائيل» من بطش وإرهاب في محاولة لإرضائها من خلال الادعاء بأنها تتعرض للإرهاب، أي إن أوروبا تساوي بين الجلاد والضحية.. وحتى عندما يصدر عن دول الاتحاد موقف فيه نبرة عالية تجاه «إسرائيل» تضطر الدول الأوروبية للتراجع إرضاء لها، لئلا تغضبها أو تغضب الولايات المتحدة.
هي سياسة الكيل بمكيالين، مع الحق وضده.. ومع المعتدي وضده. وهذه السياسة المزدوجة تتناقض مع قيم الاتحاد الأوروبي ومبدأ حقوق الإنسان الذي يعتبر أحد الأسس الذي قام عليها الاتحاد.
إن بيان الاتحاد الأوروبي الذي صدر بعد المكالمة الهاتفية بين رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ومسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيرني يوم الجمعة الفائت يفضح الموقف الملتبس للاتحاد لأنه يعبر عن مراوغة وتضليل في محاولته تبييض صفحة الاحتلال وتبرئته مما يمارسه من إرهاب ضد الشعب الفلسطيني.
المكالمة جاءت بمبادرة من المسؤولة الأوروبية كي تشرح لنتنياهو مبررات القرار الأوروبي بوسم المنتجات «الإسرائيلية» التي مصدرها المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، كي تؤكد له أن وسم هذه المنتجات هو غير إلزامي ويخضع لخيار الدول الأعضاء، وبذلك أرادت أن تقول لنتنياهو إن القرار لا قيمة له، ويجب ألا يؤثر في العلاقات الثنائية، وهو ما رحب به رئيس وزراء الكيان واعتبره تراجعاً عن قرار رفضته «إسرائيل»، واعتبر أن هذه المكالمة «بددت التوتر قي العلاقات.. التي عادت جيدة ومتينة».
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المسؤولة الأوروبية أكدت التزام أوروبا بأمن «إسرائيل»، وأعربت عن تضامنها مع الشعب «الإسرائيلي» حيال «الاعتداءات الأخيرة»، أي إنها تحمل الشعب الفلسطيني مسؤولية ما يجري في فلسطين المحتلة، فهو الذي يعتدي على «الإسرائيليين»، وهو الذي يمارس الاحتلال ويقيم المستوطنات ويقتل الأطفال ويحاصر المدن والقرى ويعتقل مئات الآلاف ويهدم المنازل ويهود الأرض!
تعمدت المسؤولة الأوروبية أن تسوي خلافات الاتحاد مع الكيان الصهيوني على حساب الفلسطينيين، متنكرة لحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال وفق ما تنص عليه كل القوانين وقرارات الشرعية الدولية، ومؤيدة لما تقوم به «إسرائيل» من اعتداءات وإرهاب وممارسات عنصرية بزعم «حماية أمنها».. وكأن الشعب الفلسطيني لا يستحق أمناً وسلاماً واسترداداً لحقوقه.
المسؤولة الأوروبية تتبنى في ذلك، خطاب الاحتلال الذي لم تتجرأ على ذكره، ما يعني تماهياً مع السياسة «الإسرائيلية» والدفاع عنها، وإنكاراً للحقوق الفلسطينية.
تثبت أوروبا مجدداً أنها ما زالت أسيرة للسياسات الصهيونية، وهي لا تستطيع إلا أن تكون ذيلاً للولايات المتحدة.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً