اراء و أفكـار

الإرهاب لا يحارب بالطائفية

مفتاح شعيب
بينما يحاول العراق التعافي من محنته المزمنة التي أطلقها الاحتلال الأمريكي قبل ثلاثة عشر عاماً، يوجد من يصب الزيت على النار دافعاً بالمحرقة ليشتد أوارها وتلتهم ما تبقى من البلد، وما حدث من اعتداءات وانتهاكات نفذتها ميليشيات طائفية في بلدة المقدادية رداً على اعتداء نفذه «الدواعش» لا يبشر بأي خير، ويكاد يشطب الانتصارات التي حققتها الحكومة على التنظيم الإرهابي في محافظة الأنبار.
هل كان العراق بحاجة في هذه المرحلة إلى مثل هذه الجرائم الحمقاء التي لا مبرر لها؟ وهل من الحكمة أن يتم إيقاد الفتنة في محافظة بينما يجري العمل على إخمادها في محافظات أخرى؟ ومن يا ترى سيستفيد من ذلك باستثناء الشامتين والراغبين في أن يغرق هذا البلد العربي العريق أكثر في الهاوية وينسلخ عن هويته ودوره في محيطه؟ في المطلق سيلجأ أي مجيب إلى المناورة لأن مجابهة الحقيقة كما هي ستكون مؤلمة للغاية. ومن يحرص على إبقاء التنظيمات الإرهابية قوية ويمدها بذرائع الوجود هو الطرف المقابل الذي يزعم محاربتها ولكنه يوفر بيئة مواتية لنمو متطرفيه وميليشياته التي لا تقل فجاجة وإصراراً على الجريمة. وإذا كان هجوم منسوب إلى «داعش» مسؤول عن سقوط عدد من الضحايا الأبرياء بمقهى في المقدادية، فلا مبرر لسقوط عشرات الضحايا وهدم بيوت ومساجد وشن حرب تطهير عرقي بحق طائفة أخرى هي شريكة في الأرض والتاريخ والمصير شأنها شأن بقية مكونات العراق وطوائفه.
لقد حصل الانتقام الطائفي العام الماضي في تكريت بعد إخراج تنظيم «داعش» منها، وتعهدت الحكومة العراقية بألا تتكرر تلك «الأخطاء»، على الرغم من أن الميليشيات المحسوبة على الدوائر المقربة من الحكومة هي التي لها اليد العليا، وهي من تمتلك عقيدة قتال طائفية وقد جربتها في أكثر من واقعة ولم تكن النتيجة طيبة على الإطلاق. وطالما لم تلجم تلك الميليشيات ولم تجرد من سلاحها ولم تفك تحالفاتها الخارجية مع أطراف إيرانية على الخصوص، فلن يكون في المستقبل هناك عراق قوي تعددي لكل أبنائه. ومن غايات التوافق على رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بدل سلفه، غير المأسوف عليه، نوري المالكي، كان فتح صفحة جديدة يتشارك جميع العراقيين في كتابة سطورها لإعادة بناء وطنهم من جديد، ولكن ذلك الحلم تبخر أو كاد، وأحداث التطهير والقتل على الهوية في المقدادية أو في مدينتي الحلة والبصرة جنوبي بغداد، وقبلهما في الرمادي والفلوجة تبرهن على ذلك، وتؤكد أن جهود مكافحة الإرهاب محفوفة بالفشل إذا كان البديل إرهاباً طائفياً لا يستحيي عن استباحة دماء الأبرياء وانتهاك الحرمات. ولا يمكن أن تدفع طائفة بأسرها ثمن جريرة فئة ضالة منها والعكس صحيح، أما إذا ترك الحبل على الغارب في هذا الاتجاه فستكون فتنة لن يعلم إلا الله مداها.
إقامة دولة العدل والقانون على أساس المساواة في المواطنة هو ما يحتاج إليه العراق للخروج من دائرة الخطر، مضافاً إلى ذلك بناء أجهزة نزيهة للدولة تحتكر حمل السلاح، مقابل حل جميع الميليشيات ومنها «الحشد الشعبي» وتجريدها من أسلحتها، تماماً كما يدمر تنظيم «داعش» في مناطقه، فوجود الجماعات المسلحة من هذه الطائفة مشروط بوجود الأخرى من الطائفة المقابلة وعدمها كذلك. وربما تجد الحكومة العراقية الحالية صعوبة في تطبيق هذه السياسة الصارمة في الوقت الحالي، ولكنها الحل الوحيد تقريباً ليتعافى العراق فعلاً ويعود بلداً يسع جميع أبنائه بلا تمييز أو طائفية.

نقلا عن “الخليج”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً