اراء و أفكـار

تآمر دولي خبيث ضد الشعب السوري

داود البصري

للمعاناة السورية وجوه عديدة أفرزتها حالة التآمر الدولي, خصوصا من طرف الدول الكبرى, او كواسر العالم المعاصر, التي تتفرج ببلاهة على المأساة السورية طيلة خمسة أعوام عجاف زادها رهقا التدخل الإرهابي الروسي الذي جعل التوازن الدولي يقف على قدم واحدة ، وبما أساء لصورة العلاقات الدولية التي تتجه نحو دعم بقايا أنظمة الموت والدمار والفاشية والحقد.
ومن مراجعة حصيلة العام 2015 من حصاد الثورة السورية التي تزحف بدموية مفرطة و رهيبة نحو عامها الخامس ، تتبين سلسلة من الحقائق الدامغة التي تدين إدانة تامة الدول الكواسر الرافعة للمثل الأخلاقية والمبادئ الإنسانية والتي لم نر لها أثرا في ميادين التجربة الميدانية، ففي العام المنصرم شهدت الساحة السورية مجازر دموية مروعة قام بها النظام وحلفاؤه الإقليميون والميليشيات المتحالفة معهم والعاملة بأمرتهم، كما شهد زيادة وتيرة النفاق الدولي والتفرج على مأساة السوريين التي بلغت مبلغا كارثيا بعد الهجرة المليونية لقوافل اللاجئين صوب القارة العجوز التي شكلت منعطفا مصيريا وتحديا جادا لوحدة وتماسك دول الإتحاد الأوروبي ذاته!
لقد ادت البراميل القذرة والأسلحة التدميرية المحرمة دوليا دورها الرهيب في توسيع مساحات الموت والدمار وزرع أسس وخطط التقسيم والإضمحلال للوطن السوري، وهو ما عمقته وأكدته الحملة الإرهابية الروسية الفظة المتضامنة مع النظام لدرجة المغامرة، وحيث تدخلت آلة الإرهاب الحربية الروسية في المرحلة الحرجة من عمر النظام لتدعمه وتطيل تسلطه وتحاول التحايل على الحتمية التاريخية في معادلة إنهيار الطغاة والقتلة، ورغم كل السجل الحافل والموثق للنظام السوري في صناعة ودعم الإرهاب الدولي إلا أن الدول الكواسر, للأسف, لم تتخذ منه موقفا حاسما وظل لسنوات يبدع ويجتهد في قتل شعبه بطرق فاشية وثقتها الكاميرات والصور التي فضحت مصرع آلاف الناس تحت ماكينة آلته التعذيبية الرهيبة من دون أن ينعكس ذلك على أي قرار دولي ملزم يتيح للعالم التدخل لحماية السوريين وقطع رأس الأفعى الإرهابية!
لقد غدر العالم الحر بالشعب السوري، وهذه من حقائق السياسة الدولية وتقلباتها المرعبة، وحيث لم يلتفت العالم أبدا لمعاناة السوريين رغم استعمال النظام للأسلحة الكيماوية في غوطتي دمشق العام 2013! إلا أن الجريمة مرت بردا وسلاما على عرش الجماجم الدمشقي بعد أن تفضل بتسليم كل مخزوناته الكيمياوية للغرب كثمن لتسوية عجفاء لم توقف عجلة الموت الرهيب, بل استمرت بوتائر وأطر وأشكال مختلفة ، حتى جاء القيصر الروسي ليضيف للمأساة السورية أبعادا درامية مفزعة من خلال التفرغ الروسي الإرهابي لإدارة حرب فاشية هدفها إستئصال قوى المعارضة السورية الحرة وتمهيد الطريق لإعادة تسويق وإنتاج النظام من خلال مبادرات دولية سقيمة تلعب على عامل الوقت وتستهدف كسر ارادة الثوار، وتضييع أهداف الشعب الثائر و توجيهها نحو طرق فرعية لا تلبي الهدف الشعبي المركزي المطلوب.
الروس يلعبون في الشام اليوم ألعابا إنتحارية بأسلوب فاشي عدواني فظ، ويمارسون سياسة «الروليت الروسية» أي القتل الشامل، والاستباحة التكسيحية لمراكز الثورة ، و إصطياد الرؤوس المؤثرة في قيادات المعارضة، وإجبار الثوار من خلال الإبتزاز و الإرهاب الفاشي على الخضوع لإرادتهم والتنازل عن سقف المطالب الشعبية، وهو تصرف روسي جعل من الدولة الرئاسية نموذج رث وفظ للدولة الإرهابية التي تمارس علنا جرائم الإبادة الشاملة ضد الجنس البشري.
في المنطقة العربية, وفي عموم الشرق القديم, تدور رحى حروب صامتة وعلنية، وتصاغ أحلاف وتكتلات، وتجري ترتيبات وتوافقات، وتتصارع كل الرؤى والتيارات من أجل إنضاج مشاريع مستقبلية لايكون فيها للنظام السوري الفاقد للشرعية أي دور ، ولكن ارادة بعض الدول تأبى إلا أن تعاكس التاريخ لتسير في الإتجاه المعاكس لإرادة الشعوب الحرة.
بكل تأكيد المحنة السورية مقبلة على أيام صعبة، وتطورات قاسية، ولربما خيارات مرعبة، ولكن ثمة حقيقة واحدة متجسدة في الأفق السوري، وهي أن كل الدعم الإرهابي الدولي والإقليمي لنظام دمشق لن يغير المصير، قد يؤجله قليلا, لكن العد التنازلي للنظام قد لاحت إرهاصاته، وبانت بكل وضوح ملامحه، فمع سقوط كل شهيد سوري حر، ينبت العشرات ليعوضون غيابه ويستمرون في تعبيد طريق الشهادة المفضي للنصر التام، لقد غدر الأصدقاء قبل الأعداء، ولكن إرادة الحرية لن تكسر، وراية التحرر والكرامة لم تنكس، وكل الضغط الإرهابي الابتزازي الروسي وغيره لن يزيد الشعب السوري في سنته الخامسة من الثورة إلا عزيمة راسخة للخلاص من أبشع نظام إرهابي عرفه الشرق القديم.
سيحيق المكر السيء بأهله، وسيدفع الطغاة ومن عاونهم الثمن، إنه وعد الحق، وسنة الكون، ولن تجدوا لسنته تبديلا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً