اراء و أفكـار

هستيريا الحروب المجنونة في العراق

داود البصري
لا شيء في العراق متوافر وبكثافة أكثر من الحروب والمعارك المتنقلة التي حولته خلال العقود الأربعة الأخيرة ومرحلة ما بعد الإحتلال الأميركي قطعة جهنمية وسوريالية من الجحيم!
ما يجري في العراق من تحركات ساخنة, داخليا وخارجيا, تدعمه مؤتمرات دولية في باريس وبرلين زادت وتيرتها أخيرا وجميعها تصب في خانة تصعيد الحرب ومحاولة احتواء التمدد السريع لمقاتلي تنظيم الدولة الذين مازالوا يسيطرون على مدينتي الموصل والرمادي وقصبات ومدن أخرى غربي العراق, ويقودون العمليات العسكرية في مواجهة الحشد الشعبي الذي أعلن رسميا تعليق عملياته في الرمادي بعد فشل هجماته وتكبده خسائر فادحة وبسبب الإشكاليات المتعلقة بقيادة إرهابيين دوليين لذلك الحشد من أمثال الإرهابي الدولي المطلوب, كويتيا وأميركيا جمال جعفر محمد الشهير بأبي مهدي المهندس, وكذلك بسبب التناقض الصارخ بين رغبة الحكومة توسيع المشاركة الأميركية سواء من خلال المستشارين والمدربين أوعبر الإستعانة بقوات خاصة, خصوصا أن قاعدة الأنبار الأميركية الجديدة في العراق ستتيح للاميركيين امكانات تحرك سريعة وتقلل من الإعتماد على قواعدها في شمال الكويت, الأمر الذي تتخوف منه الجماعات والجيوش الإيرانية وفرق الحرس الثوري التي تقاتل علانية وجهارا من خلال القيادة التي يقودها “فيلق القدس” الحرسي تحت امرة السردار قاسم سليماني الذي يحرص أهل الولاء الإيراني في العراق على إعتباره “سوبرمان” المنطقة.
رغم تواضع الامكانات العسكرية الإيرانية أمام قوة التغطية الجوية الأميركية التي وفرت دائما الغطاء الجوي للتقدم الأرضي فان الميليشيات العراقية لا تريد لأي طرف آخر التدخل في الحروب العراقية الساخنة لكونها تجد في تلك الحروب فرصتها السانحة لفرض الأمر الواقع وإنهاء سلطة الدولة, وتحجيم الجيش العراقي تمهيدا لإلغائه, وتؤسس لعراق جديد مقسم طائفيا وفقا لمواصفات وتشكيلات تم التخطيط لها في طهران وتنفذها أدوات النظام الإيراني المتحكمة في أروقة وكواليس ودهاليز الحكومة العراقية التي تضاءل وتصاغر كثيرا دور وزرائها أمام السطوة غير المنطقية ولا المعقولة التي بات قادة الحشد الشعبي يتمتعون بها!
وقد يبدو مشهدا غريبا أن يقف عدد من جنرالات الجيش العراقي أمام مكتب النائب البرلماني الوزير السابق للنقل رئيس ميليشيا “بدر” الإيرانية هادي العامري ينتظرون النصح والمشورة, وهو الذي لا يحمل من رتبة عسكرية عراقية سوى رتبة رئيس عرفاء, وكان يقاتل ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني ضد الجيش العراقي وبرتبة سائق دراجة نارية إيرانية, أما اليوم فإختصاصاته وسلطته تفوقان إختصاص وسلطة وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي أو رئيس أركانه الغائب تماما عن المشهد بابكر زيباري الذي يشهد له التاريخ العسكري لجيوش العالم الثالث بكونه رئيس الأركان الوحيد الذي هو بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا يحمل أيضا شهادة الأركان العسكرية, بل هو قادم من البيشمركة الكردية…!
حروب رهيبة يخوضها العراق وهو يترنح تحت ظل ملفات ثقيلة تبدأ من محنة اللاجئين الداخليين في فصل الصيف العراقي الرهيب, ولا تنتهي أمام تحديات الزمن والميدان والسباق لمحاولة إنهاء إحتلال وسيطرة تنظيم الدولة على مدينتي الموصل والرمادي, ويبدو أن الدخول الأميركي المباشر على خط الأزمة الداخلية من خلال تسليح وتدريب العشائر السنية, غربي وشمال العراق, قد عرقل المشروع الإيراني ورسم خطوطاً ومساحات تحرك جديدة على الرمال العراقية, مما أضطر رجل المشروع الإيراني هادي العامري للإعلان عن تعليق مشاركة جماعته في المعركة في الأنبار, وهو ما يعني ضمنيا توقف النظام الإيراني عن مساعدة الحكومة العراقية, ليتضح من تلك الخطوات حقيقة كون فكرة الحشد هي فكرة إيرانية أساسا أخرجت بمقاييس وأدوات عراقية وألبست لباسا تمويهيا فضفاضا يكشف أكثر مما يخفي!
الحروب العراقية المتحركة والمتنقلة لن تنتهي أو تختفي, بل أن صراع الأجندات الرهيب هو من يحرك كل الملفات في العراق, وبصرف النظر عن صورة ومساحة التنافس الأميركي-الإيراني في العراق, فإن العراقيين يعيشون أوضاعا رثة لايحسدون عليها, وسيهل عليهم رمضان هذا العام وسط أزمات إنقطاع التيار الكهربائي الخالدة, والتوتر الطائفي المتصاعد, والحروب العبثية التي ملأت مقابر العراق بجثث الشباب وسط وضع إقتصادي منهار ينذر بالإفلاس.
إنها الحرب المفتوحة التي وقودها الناس والحجارة في عراق يتقلب على جمر النار. وينتقل من فشل إلى آخر في ظل سيناريو صراع لهيمنة إيرانية طاغية تحاول إنهاء العراق تماما… من يكسب الرهان في نهاية المطاف ? لا أظن أبدا أن الشعب العراقي بوضعيته الحالية قادر على إنتشال بلده من محنته فالعراق قد ضيعه أهله!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً