اراء و أفكـار

عودة قاسم سليماني لقيادة العراق

داود البصري
بعد زيارة سريعة وخاطفة قام بها وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري لطهران طالبا من القيادة الإيرانية الموافقة على عودة قائد “فيلق القدس” للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني للعراق من أجل قيادة الحشد الشعبي الذي يرفض الانصياع لأوامر الحكومة أو القيادة العسكرية العراقية العليا ويفضل الانضواء والطاعة تحت أوامر رجل الولي الإيراني الفقيه في العراق! استجاب الإيرانيون وتمت إعادة جنرال “القدس” مرة أخرى ليقود الجموع ويخطط للعمليات, ويشارك في إدارة صفحات حرب أهلية طائفية بات واضحا أنها تجري حاليا كبروفة عملية لإقرار المخطط النهائي لتقسيم العراق وفقا للحصة الثلاثية المعروفة.. شيعة.. سنة.. أكراد.
رغم رفض العراقيين لتلكم الصيغة البائسة, إلا أنه أضحى واقعيا أن تقرير مسألة التقسيم لم تعد بأيديهم, بل أضحت تخضع لتوافقات إقليمية ودولية تبدأ من الكونغرس الأميركي, ولا تنتهي عند قيادة الحرس الثوري أو مكتب الولي الإيراني الفقيه علي خامنئي!
إذن الجنرال قاسم سليماني يعود من جديد بعد رحلة سابقة مضنية انتهت عند معركة تكريت التي حسمها التدخل الجوي الأميركي الفاعل, والتي قدم خلالها الحشد الشعبي خسائر بشرية تقدر بالآلاف, وخسر الحرس الثوري فيها ايضا خمسة من كبار قادته الميدانيين والمؤسسين الذين خاضوا غمار الحرب الطويلة مع العراق (1980/1988) ومنهم الجنرال نقوي وغيره من القادة! هذا غير مئات من عناصر الحرس التي ازدحمت المعابر الحدودية العراقية مع إيران بتوابيتهم ونعوشهم!! مما أثار استغراب الشارع الإيراني الذي فوجئ بحجم الخسائر البشرية في معارك العراق.
الوضع العسكري القائم حاليا مضطرب ولا يبشر بخير في ظل استمرار مسلسل الهزائم والتراجع وفقدان السيطرة على مصفاة بيجي, واستمرار التدهور في الأنبار وعودة المعارك الشرسة لصلاح الدين, وعدم وجود إمكانية عسكرية حقيقية لإسترداد مدينة الموصل من قبضة “تنظيم الدولة” في ضوء احتدام الخلافات الداخلية حول تسليح المكونات, وحول التغول الكبير لقيادات الحشد الشعبي التي أعلنت ارتباطها الفكري والميداني والعسكري بقيادة ورؤية ومنهج المرشد الإيراني علي خامنئي! رغم أن فتوى “الحشد” و”الجهاد الكفائي” كانت صادرة من مرجعية علي السيستاني التي لاعلاقة لها أبدا بمرجعية الخامنئي.
المهم إن قيادات “الحشد” والمؤلفة من جماعات “العصائب” والكتائب و “بدر” والصدريين وغيرها من الأسماء والمسميات, كانت على وشك إعلان تمردها التام بل وانقلابها الكامل على مجمل العملية السياسية الكسيحة عبر السيطرة على السلطة, وإسقاط العاصمة العراقية بغداد تحت قبضتها وفرض أمر واقع طائفي وميداني كانت ستكون له تداعياته الخطيرة على الوضع العراقي, خصوصا أن تيارات عديدة متصارعة ضمن إطار حزب “الدعوة” ومنها تيار نوري المالكي يشجع قيام الميليشيات بحركة تمرد لكي يكون هو رجل الإنقاذ والبديل عبر العودة لقيادة الحكومة ضمن مخطط خبيث تم الإعداد له, وينتظر الضوء الأخضر من طهران التي تقود اليوم معركة تقرير المصير لنفوذها في جبهات واسعة تبدأ من العراق وتستقر في الشام ولبنان, وتتطاول جنوبا نحو البحر العربي وخليج عدن وجبال صعدة شمال اليمن, ومياه الخليج العربي! وهي معركة إقليمية كبرى ستكون نتيجتها النهائية الفيصل في تقرير مستقبل التوسع الستراتيجي الإيراني في الشرق!.
عودة سليماني مكرسة أساسا لضبط تصرفات وإيقاعات جماعات الحشد الشعبي الخارجة عن السيطرة التي باتت تطالب بحقوق وامتيازات من شأنها تقرير شكل مذهبي معين للدولة إضافة لمتغيرات ديموغرافية ستفجر العراق إن حدثت. الجنرال سليماني ليس “السوبرمان” المنتظر لانه مستهدف من أكثر من طرف, ولا يستبعد أبدا أن يتعرض لما تعرض له قادة الحرس الثوري الآخرون! وهو ما سيضيف للمتاعب الإيرانية ملفات مضافة وصداعاً جديداً ومشكلات مضافة.
سليماني هو اليوم ضابط لإيقاعات الوضع العراقي, وقيادته الميدانية قد تجاوزت القيادات العسكرية العراقية التي تقدم خسائر بشرية رهيبة في معارك الصحراء ولا تحصل من الحكومة على أي مساعدة حقيقية في ظل تخبطات الوضع الداخلي وعمليات القتل والاستهداف التي تقوم بها الميليشيات الطائفية ضد النازحين العراقيين من أهل السنة, وعودة جرائم الخطف والقتل على الهوية الطائفية في مشهد درامي وكارثي ومأساوي, ومع اقتراب المعارك من الحواضر والمدن العراقية يبدو توسع التغلغل العسكري الإيراني في العمق العراقي أمرا محتملا, وبما سيشكل تورطا ستراتيجيا إيرانيا لن يخرج منه الإيرانيون بمكاسب, بل بخسائر مروعة قد ترتد للعمق الإيراني!
لن يقدم سليماني أي حلول لكونه ونظامه جزءاً رئيسياً من المشكلة العراقية العويصة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً