اراء و أفكـار

حرب العصابات العراقية ضد “داعش”

داود البصري

في تطور عسكري دراماتيكي, وفي إنقلاب منهجي وسياسي مخالف ومناقض لكل التعهدات السابقة, أكد رئيس حكومة العراق حيدر العبادي على ضرورة الإستعداد والتهيئة للدخول في حرب عصابات ضد تنظيم الدولة “داعش” من أجل تحرير الموصل وغسل عار هزيمة العاشر من يونيو 2014 وإنهيار المؤسستين الأمنية والعسكرية وضياع مليارات الدولارات وفقدان آلاف الشباب العراقي الذين لم تعرف عوائلهم مصيرهم حتى اليوم. هذا التصريح الحكومي الرسمي “الهزلي” حول أسلوب حرب العصابات, يؤكد مصداقية ما تسرب وورد إلينا من معلومات خاصة حول ذلك اللقاء العاصف الذي تم اخيرا بين حيدر العبادي بصفته كقائد عام للقوات العراقية المسلحة, وعدد من كبار ضباط وزارة الدفاع وقادة العمليات من رتبة عميد وما فوق وعددهم 55 ضابطا كبيرا, أولئك بأجمعهم اعربوا صراحة للعبادي عن رفضهم المشاركة في أي عمليات عسكرية مقبلة للانخراط في ملف حرب تحرير الموصل والتقدم لإستعادتها من ايدي تنظيم “داعش”! لأسباب عديدة تتمثل أولا في عدم وصول القوات العراقية لدرجة الجاهزية العسكرية واللوجستية التامة, ولإنهيار المعنويات الذي تعاني منه الوحدات العسكرية, إضافة لعدم إستعداد أولئك الضباط للعمل تحت أمرة ” البيشمركة الكردية ” أوتلقي أوامرها وتوجيهاتها الميدانية لشعورهم الواضح والصريح بالخوف من الغدر. ولعل أهم الأسباب هو عدم رغبة القيادة العسكرية العراقية بالعمل في محيط إجتماعي معاد لايوفر حماية للظهر, لأن أي هزيمة أوتلكؤ عسكري ستكون نتيجته الداخلية وارتداداته مرعبة للغاية على صعيد عملية إدارة الصراع السياسي والعسكري. العبادي ووزير دفاعه خالد العبيدي أسقط في يدهما ولم يتمكنا من إقناع القادة بتغيير رأيهم وتوجهاتهم بل تقدم أولئك القادة بخطوة متقدمة وأعلنوا عن وضع إستقالاتهم الفورية بتصرف رئيس الحكومة والقائد العام !. في الوقت نفسه أعلن المنسق الأميركي لإدارة العمليات الجنرال جون آلن عن قرب إنطلاق عملية تحرير الموصل عسكريا بعد إستكمال التدريب الأميركي لعناصر الجيش العراقي في أربع قواعد تدريب عسكرية في العراق. لكن الوقائع الميدانية تشير بشكل واضح الى مسارات عسكرية مختلفة بالكامل, فالجيش العراقي في وضيعته الحالية ليس قادرا على إقتحام مدن بحجم الموصل والدخول في حرب إشتباكات وعصابات داخل الشوارع والأزقة لكون ذلك يتطلب توافر الإرادة النفسية أولا, وخبرة تدريبية عالية المستوى ثانيا, وجبهة داخلية موحدة ومتماسكة تكون رافدا معنويا وتعبويا ولوجستيا مهما في تعزيز نسق المعركة? وكل تلك العناصر غير متوافرة بالمرة, خصوصا وان تنظيم “داعش” يمتلك خبرة ميدانية فائقة ومتمرسة في حرب العصابات ويدير العمليات وفق تكتيكات وخبرات أثبتت نجاعتها في امتصاص زخم الهجمات الجوية لقوات التحالف, ونقل ساحة العمليات لأماكن متفرقة وبما يشكل إرباكا للجانب الآخر, القوات العراقية لا تستطيع بهيكلها العام مجاراة تنظيمات ميليشساوية تستنزف الجهود في حروب العصابات ما يعجل بنمو الخيار الآخر وهو التركيز على الميليشيات الطائفية سواءا ضمن قوات “الحشد الشعبي” أو غيرها والتي حققت بعض التقدم في مناطق صغيرة كانت تحت سيطرة “داعش” ولكن ممارسات بعض عناصرها تسببت بتجاوزات طائفية خطيرة وعمليات قتل وإنتقام طائفية مريعة أشعلت ملف التوازن الطائفي الهش أصلا ووفرت ل¯”داعش” مبررات تصفيات طائفية لا يريد أي طرف عراقي التورط في ذيولها وبما قد يخرجها عن السيطرة خصوصا أن الحشد الشعبي يضم ميليشيات مؤيدة للنظام الإيراني بل يعتبر بعضها جزءا من جسم آلة الحرس الثوري وهو ما يعرفه الجميع في العراق. وبصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى لا يمكن التعويل أبدا على الميليشيات لتكون بديلا عن الجيش الوطني لأن ذلك سيؤدي لمضاعفات ونتائج غير محمودة العواقب, وبرغم دعم أكثر من 62 دولة لحكومة العراق ضمن تحالف دولي هو الأوسع في التاريخ ضد أي منظمة إرهابية إلا أن التلكؤ سيد الموقف, فقد اشار أحد الخبراء الأميركيين إلى أن الخراب المادي والنفسي الذي تسببت به حكومة نوري المالكي قد جعل من العبادي بمثابة ضحية يحاول إصلاح مايمكن إصلاحه في ظل أوضاع داخلية مهترئة, ولكن السؤال الكبير هو هل سينفع أسلوب حرب العصابات في هزيمة تنظيم هو الخبير الأول في حرب العصابات ? كل الأوراق والإحتمالات متشابكة في الواقع العراقي المعقد والمتداخل. – See more at: http://al-seyassah.com/%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B5%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%B6%D8%AF-%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D8%B4/#sthash.V8STLA5r.dpuf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً