اراء و أفكـار

العراق الميليشياوي… ينفجر

داود البصري

العراق اليوم وتحت ظلال السيوف الطائفية والشعارات المذهبية الصارخة يعيش أوضاعا هي مزيج حقيقي بين المأساة والملهاة! فإنفلات الصراع الدموي بين الفصائل والجماعات المسلحة قد تجاوز حالة الصراع الميليشياوي المعهودة بعد أن تغولت الجماعات المسلحة والمدعومة إيرانيا ومارست سطوة عسكرية بعيدة كل البعد عن سيطرة الدولة المركزية التي إنهارت تماما في صيف 2014, بعد فقدانها السيطرة على مساحات واسعة في الشمال العراقي, وتوسع التدخل العسكري الإيراني الذي حمى بغداد ومنعها من السقوط بأيدي الجماعات المسلحة, مما خلق حالة توحش طائفية, وأبرز منهجا إقصائيا تقرر معه فرض سياسة تغيير وإحلال ديموغرافي طائفي عبر عن نفسه بوضوح في ممارسات عصابة “بدر” التي يقودها هادي العامري, وهي فرع من فروع الحرس الثوري الإيراني التي توجت بإعدام همجي إنتقامي لواحد وسبعين مواطنا عراقيا كل ذنبهم كونهم من أهل السنة! الحكومة العراقية حشرت في الزاوية الحرجة كون جيشها كان يراقب المجزرة ويوثقها من دون قدرة على التدخل, أو كبح جماح العصابات التي بالغت كثيرا في عمليات الإنتقام الوحشية, ومخطئ من يعتقد أن العصابات الطائفية تقف على منهج واحد, أوقلب واحد أو أن لها رؤية موحدة إلى الامور وطبيعة إدارة الصراع, داخليا وخارجيا , ففي الفترة الماضية إندلع صراع صامت بين “فيلق بدر” الذي يقوده هادي العامري ووزير النقل باقر صولاغ العضوالقيادي في “المجلس الأعلى” الذي إنشق عنه العامري, وكانت النتيجة إطلاق النار على طائرة إماراتية في مطار بغداد لحظة هبوطها تبين أن عنصرا مسلحا من “بدر” هو من أطلق عليها النار, بسبب الصراع من أجل السيطرة على مطار بغداد الدولي, ومن أجل إظهار موقف مضاد للموقف الإماراتي الذي أدرج حركة “بدر” ضمن الجماعات الإرهابية في القائمة الشهيرة! ثم كانت التصريحات العاصفة التي أطلقها مقتدى الصدر ضد تولي نوري المالكي قيادة الحشد الطائفي, وكانت الطامة الكبرى مع إندلاع المعارك الدموية بين الجماعات الشيعية المسلحة يوم السبت الثلاثين من يناير المنصرم في وسط بغداد في منطقة الكرادة بين جماعة “كتائب الإمام” وجماعة “حزب الله” بعد إختطاف القيادي في “حزب الله” عباس المحمداوي, وتدخل عصابات “العصائب” و”سرايا الخراساني” و”كتائب عاشوراء”, وإنتشارها في شوارع بغداد وتراخي سطوة وسلطة الحكومة العراقية التي تقزمت كثيرا إلى حد التلاشي لدرجة أن الوضع العراقي قد شهد إنهيارات مجتمعية حادة تمثلت في تجدد إندلاع النزاعات العشائرية كما حدث في شمال البصرة بين عشائر الكرامشة والمياح وعرب بزون! وحيث سقط عدد كبير من القتلى والجرحى وقطع الطريق الرابط بين البصرة والعاصمة بغداد! في موقف متخلف وصراع داخلي مشابه إلى حد بعيد للوضع الصومالي وحيث تشابكت جميع الأطراف مع إشتداد الصراع في محيط كركوك ودخول قوات البيشمركة الكردية في حرب إستنزاف مكلفة في معارك الكر والفر مع تنظيم “داعش” في كركوك وحقولها النفطية وما سينتج من كوارث بيئية في حال تفجير الآبار النفطية هناك وهو مالاحت نذره وتوضحت إرهاصاته بشكل جلل. ولعل تغول الميليشيات وتقزم سطوة الدولة وتراجع قدرتها على التحكم في إدارة الصراع الداخلي قد مزق العراق وبطريقة قد تحيله لشظايا , فحكومة السيد العبادي تعاني من ضعف بنيوي قاتل بشكل شل من قدرتها على الفعل الميداني وظلت مجرد حكومة تبيع الكلام وتقدم الوعود وتصدر التطمينات فيما الأوضاع تزداد سوءا مع زيادة مساحات الصراع العسكري وهشاشة الأوضاع الإقتصادية وتحول البلد لساحة صراع دولي سيستقطب جيوشاً إقليمية ودولية عديدة في حرب مفتوحة ليست هناك آفاق قريبة لنهايتها , فمعركة تحرير الموصل ليست سهلة أبدا في ظل أوضاع الجيش العراقي المتدهورة , فالميليشيات الطائفية لا تمتلك الأهلية العسكرية اللازمة لإنجاز المهمة خصوصا بعد تبلور الصراعات الجانبية ودخولها في أنفاق التصفيات والتسقيطات. العراق الميليشياوي القائم اليوم يعكس صورة سوداء لتطورات الأيام المقبلة, وإنفجار الأوضاع قد ينعكس إقليميا بشكل مريع , وزيادة سطوة وتسلح الجماعات المسلحة لن يؤدي في النهاية سوى للإنفجار الحتمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً