اراء و أفكـار

تراجيديا الانتقام الطائفي في العراق

داود البصري
منذ أواخر خمسينات القرن الماضي حين اندلعت حرب اغتيالات وتصفيات جسدية بين البعثيين والشيوعيين, لم يشهد العراق مثيلا للحالة السائدة اليوم من الاغتيالات والتصفيات الدموية المتبادلة بين فرقاء الصراع الداخلي, فصورة وشكل وطبيعة الصراع الدائر في العراق اليوم تختلف شكلا ومضمونا, وحتى عقائديا عن كل أشكال الصراعات السياسية السابقة.

لقد دخل العراق في أتون حرب طائفية مدمرة لكيانه الوطني ولمستقبله الوجودي ذاته واستقبل العام الميلادي الجديد بمجزرة طائفية مروعة حدثت في قضاء الزبير التابع لمحافظة البصرة عبر عملية اغتيال غادرة نفذها “مجهو لون” ضد خمسة من أئمة أهل السنة في الزبير ليس لهم علاقة بأي نشاط أوصراع سياسي, بل قتلوا على الهوية المذهبية الصرفة, ومن المعروف أن مدينة البصرة تضم نسبة كبيرة من السكان المسلمين السنة في الزبير وأبي الخصيب والبصرة القديمة, والعشار, وأماكن أخرى, ورغم محاولات الأحزاب والجماعات الطائفية العاملة ضمن المشروع التبشيري الإيراني تغيير ديموغرافية البصرة عبر أساليب العنف والإرهاب وحتى الترغيب, إلا أن الوجود السني له حضور فاعل في المشهد البصري, وهو الأمر الذي لايروق لجماعات وعناصر وأطراف عديدة تحاول اللعب الدموي الخطر بالورقة الطائفية الرثة.

مقتل الأئمة الخمسة لم يكن مجرد عمل فردي محض, كما أنه ليس بالأمر الجديد أيضا, فحروب التطهير الطائفية ضد المكون السني في البصرة, وعموم العراق, باتت من حقائق ملف إدارة الصراع الداخلي, خصوصا أن تطور قوة الميليشيات الطائفية التابعة لجماعة الحشد الشعبي, والمتدثرة بغطاء المرجعية الدينية الشيعية قد خلق جماعات, وعصابات, وميليشيات سائبة تضم عتاة المجرمين الذين لاعلاقة لهم بأي دين ومذهب لممارسة جرائم القتل والاغتصاب والسلب والنهب في بلد فقدت فيه السلطة المركزية هيبتها وقوتها, بعد أن حولت حكومة نوري المالكي العراق حلبة صراع دموي طائفي خربة وأجهزت على كل عناصر الهوية الوطنية الموحدة الجامعة المانعة, وباتت التصفيات الجسدية ومحاولات تغيير المذاهب, والعقائد, بقوة السلاح هي سمة المشهد العراقي الكئيب.

من يقف خلف قتل أئمة السنة الخمسة في الزبير? الإجابة عن هذا السؤال من مسؤولية وزارة الداخلية العراقية التي تقودها وتهيمن عليها اليوم جماعة “بدر” التي يقودها هادي العامري الذي يقود شخصيا معارك طائفية كبيرة في محافظة ديالى, كما أن هذا التنظيم “بدر” معروف بممارسات الاغتيال خلال الاشهر الأولى من احتلال أميركا للعراق عام 2003 حين تم إستهداف الضباط والطيارين والعلماء العراقيين والكفاءات الوطنية الأخرى, والتنظيم يمتلك خبرة كبيرة في هذا المجال, ووزير داخليته محمد الغبان هو وحده من يمكن أن يحدد الجهة التي تمارس الاغتيال بحرية ضد المسلمين السنة الأبرياء, رغم أن الإجابة واضحة وتتمثل في كون من يستهدف السنة هم نفسهم الذين يقودون معارك الحشد الشعبي, ويفجرون المساجد, ودور العبادة ويستهدفون الشباب البريء, ويشرعون في ممارسة القتل على الهوية الطائفية.

جرائم “داعش” وغيرها لايقف خلفها أهل السنة بالمرة, بل تسأل عنها ممارسات الحكومة السابقة. لقد فقدت ميليشيات الحشد الشعبي في معارك ديالى وسامراء عددا من قياداتها, ومن قيادات الحرس الثوري الإيراني أيضا, كان أبرزهم زعيم عصابة “جيش المختار” الطائفي واثق البطاط, وكذلك العميد الحرسي ومساعد الجنرال سليماني قمي حميد تقوي وغيرهم العشرات في معارك الكر والفر, وحيث لم تجد جماعات القتل وعصابات الإرهاب من أهداف سهلة سوى رؤوس أهل السنة المسالمين في العراق. ما يحدث اليوم من تراجيديا عنف دموية مرعبة تشكل تحديا حقيقيا لإرادة وقوة حكومة حيدر العبادي الذي أثبتت الأيام أن أقواله وأمنياته أكبر من أفعاله بكثير, فسيناريوهات التغيير الطائفية الديموغرافية لا محل لها من الإعراب في بناء وطن على أنقاض ذلك الذي دمرته الحروب المتتالية. مصير السلام الأهلي في العراق والمنطقة على كف عفريت مالم يتم لجم عصابات الفتنة والاغتيال والغدر التي تعرفها السلطة جيدا لكونها من مكوناتها الرئيسية, وفي جميع الأحوال وكيف ما كانت الأمور لن يخرج أي طرف منتصرا في تلك الحرب الكريهة! ففجيعة خسارة العراق كوطن موحد هي كارثة عظمى بكل المقاييس, حكومة حيدر العبادي على المحك وأمام الإمتحان النهائي العسير!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً