اراء و أفكـار

إيقاف الحريق العراقي… متى؟

داود البصري*

ثمة حقيقة ميدانية قائمة وسائدة ومستفحلة, تقول: إن العراق يحترق, وأن ذلك الغلاف الشهير لإحدى أهم وأعرق المجلات الأميركية الذي نشر قبل شهور وكان يضم صورة لخارطة العراق وتحتها عنوان مثير لايصدر عن الإعلام الغربي جزافا يقول “نهاية العراق”! هو حصيلة حقيقية لنهايات تراجيدية قد خطط لها جيدا وبامعان وعبر استثمار عناصر وأساليب وطرق إثارة النزاعات في مجتمع هش وقلق وغير متجانس كالمجتمع العراقي, الذي تعمقت فيه اليوم الانقسامات الطولية والعرضية بدءا من القومية وتعزيزا بالطائفية وليس انتهاء بالعشائرية.

هذا فضلا عن أن إدارة السلطة في العراق في مرحلة ما بعد الاحتلال والتخادم الأميركي- الإيراني المدمر “2003″ وتمكن الأحزاب الطائفية المفلسة فكريا ومنهجيا وأخلاقيا إلا من فكر الخرافة والتطرف والغلو وسوء الإدارة قد أدى لتكريس حالات مريضة من الانعزالية والتوحش, وتدمير الروح الوطنية الجامعة المانعة, والاستعانة بالخارج وتحالفاته وتخادماته من أجل مواجهة خصوم الداخل.
تغلغل الوحشية والسادية والدموية في إدارة الحالة العراقية قد أدى في نهاية المطاف إلى تشظي جميع المكونات العراقية التي كانت متعايشة بسلام منذ انبثاق وظهور العراق الحديث بحدوده الراهنة العام 1921 بعد الاحتلال البريطاني الأول “1914/1917″ ومن ثم بناء العراق وفق نظرية قومية نجحت في تسويقه إقليميا حتى جاء الاحتلال البريطاني الثاني بعد حركة مايو العسكرية العام 1941 , لينهي وضعا سياسيا مضطربا كانت له تداعياته الإقليمية المباشرة وقتها في ظل أجواء الحرب الكونية الثانية التي كان الشرق الأوسط وشعوبه في قلبها الستراتيجي.
وقد كان انقلاب 14 يوليو 1958 بإطلالته الدموية الفظة البداية الحقيقية لفتح بوابات جهنم في العراق. كما كانت الدروس الأولى لمنهجية وإدارة فن التوحش في الصراعات الأهلية, وحيث شهد العراق منذ 1959 وحتى الإنقلاب الدموي الآخر 1963 حالات كبيرة من التصفيات والاغتيالات والجثث المسحولة في الشوارع بين القوى السياسية العراقية المختلفة من بعثيين وشيوعيين وقوميين وأكراد وغيرهم,لقد كانت واجهة المجازر السياسية مختلفة عن الشكل السائد حاليا, ولكنها متفقة ومتطابقة في الطريقة والأسلوب.
وبعيدا عن الإغراق في تتبع حملات الدم العراقية المستمرة فصولا متعاقبة فإن الحكومة العراقية الحالية, وهي دعوية ذات ولاءات إيرانية واضحة وتاريخية, تحظى بالرعايتين الغربية والإيرانية, إنما تحصد اليوم نتائج ممارسات وأساليب الحكومات الطائفية السابقة, وخصوصا حكومتي نوري المالكي الذي دخل تاريخ الوحشية في العراق, باعتباره أحد أكبر مروجيها ومسوقيها وناشريها في المجتمع العراقي. وقد أجبره الحلفاء الغربيون بالتفاهم مع طهران على الانسحاب من السلطة ولكن بعد أن أمعن في تمزيق العراق ووضعه أمام خارطة طريق حروب طائفية مروعة بتسليط الميليشيات الطائفية الحاقدة على رؤوس العباد وانهيار هيبة الدولة وجيشها بالكامل. وفتح الطريق رسميا أمام بلطجة طائفية عشائرية رثة تمارسها السلطة ببدائية مقرفة, ورغم وعود البديل البريطاني حيدر العبادي بالتغيير إلا أن حقائق الميدان تؤكد عجزه الواضح عن ممارسة أي فعل ميداني بل أنه نفسه قد أضحى غطاء رسميا لتصرفات الميليشيات الإرهابية التي باتت تتحكم بتفاصيل المشهد العراقي, وتتنقل تحت القيادة المباشرة لقائد فيلق القدس الإيراني من جنوب بغداد وحتى سامراء وصولا للشمال. ويبدو أن قرار إعطاء الحرية الكاملة للميليشيات الطائفية قد حجم كثيرا من الآمال التي كانت معقودة على العبادي في حلحلة وانفراج المشهد العراقي المعقد, وحيث تحولت الحرب ضد الإرهاب لتصفية حسابات طائفية مريضة شاركت فيها ميليشيات غير رسمية, أخذت تقوم بمهام الدولة العراقية المفترضة. لقد تعملقت العصابات الطائفية وانهارت سمعة ومكانة الجيش العراقي, ووزير الدفاع الجديد خالد العبيدي لا يستطيع تقديم أي متغير حقيقي لكون القيادة العسكرية العليا للعراق باتت تدار من طهران, وهي واحدة من أخطر ما تمخضت عنه إدارة الوضع في العراق. الوحشية باتت سيدة الموقف, وإدارتها اضحت هي الخيار الممكن الوحيد لبلد يسير بسرعة الضوء نحو الكارثة. الفاشلون لايقدمون الحلول بل انهم كارثة حقيقية, والعراق اليوم يعيش عصر التوحش بكل أبعاده ومعانيه. والحريق الشامل يهدد باختفاء العراق الذي يعرفه العالم منذ العام 1921, من يوقف حريق العراق?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً