اراء و أفكـار

بين سليماني وهمداني.. عراق في مهب الريح

داود البصري*

مع انتقال إدارة الملف العراقي من أيدي قائد “فيلق القدس” للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني, الى نائبه اللواء حسين همداني, يعيش العراق أفظع أيامه وأشدها سوادا على صعيد تفعيل ماكينة الحرب الطائفية القذرة التي باتت تلتهم أرواح الآلاف من العراقيين الأبرياء بعد أن أصبحت الميليشيات المتوحشة السائبة هي المتحكمة في الشارع بشكل مرعب ومريب أيضا.
لاشك أن تغيير حكومة نوري المالكي بالطريقة الانقلابية الهادئة التي تمت قد شكل ضربة حقيقية لكل البناء الإيراني المتراكم في العراق الذي وصل في سنوات نوري المالكي الأخيرة لأكثر من مجرد تنسيق, بل تحول احتلالا حقيقيا بعد أن أضحى المالكي لعبة إيرانية, وضع كل مقدرات العراق, وإمكانياته في خدمة الجهود الإيرانية, العسكرية والمالية, خصوصا على الجبهة السورية, وبعد أن أضحى المجال الجوي العراقي مفتوحا بالكامل أمام الطيران الإيراني وعمليات الشحن اللوجستي لخدمة المجهود الحربي السوري, مجيء حيدر العبادي يشكل ضربة حقيقية للجهود الإيرانية رغم انتساب العبادي لحزب “الدعوة” والذي هو صنيعة السياسة الإيرانية, ولكن الإيرانيين يعلمون علم اليقين أن “الدعوة” كحزب ليس ساحة إيرانية فقط, بل إن مساحات النفوذ, الدولي والإقليمي, قد سدت الكثير من فجواته, فالبريطانيون لهم القدح المعلى في السيطرة على الحزب وتوجيهه منذ أيام نشأته الأولى أواخر خمسينات القرن الماضي وحين كانت الساحة العراقية تعج بصراع الأحزاب اليسارية والماركسية من جهة والأحزاب القومية والبعثية من جهة أخرى, فنشأ حزب “الدعوة” الطائفي يتلمس طريقه وبدعم بريطاني – شاهنشاهي, ولم يلاق في البداية أي استجابة من الجماهير وتمركز في قطاعات دينية وطائفية معزولة يتربص الفرص السانحة, ويحاول التسلل للحياة السياسية, ولبريطانيا العظمى ومخابراتها تحديدا دور فاعل في نشأة الحزب بداية, ثم الحفاظ عليه واحتضانه وقياداته خلال مرحلة الشتات في ثمانينات القرن الماضي حيث تحولت لندن قاعدة ميدانية للحزب قبل احتلال العراق عام 2003, ومن بريطانيا ومن فندق “متروبول” في إدجوارد رود انبثق مؤتمر لندن للمعارضة العراقية أواخر عام 2002, وهو يضع اللمسات الأخيرة على عملية غزو واحتلال العراق, وتسليم السلطة لمجموعة الأحزاب والقيادات التي حضرت ذلك المؤتمر, ومنها “الدعوة” وحيث تبوأ إبراهيم الجعفري منصب الرئيس الأول لمجلس الحكم تحت الرعاية الهمايونية البريمرية.
ثم قاد “الدعوة” الوزارة الجعفرية عام 2005, وتسبب بكارثة كبرى للعراق عبر الاقتتال الطائفي الذي فتح الطريق أيضا لوصول نوري المالكي الى سدة الحكم ليخفي النفوذ البريطاني مقابل ارتفاع أسهم النفوذ الإيراني الذي طغى وتجبر ودمر وأهلك الحرث والنسل.
اليوم يشعر الإيرانيون بالغصة وهم يتابعون إنهيار بنائهم وصعود أسهم البريطانيين من جديد مما جعلهم يغيرون قيادة الملف العراقي من أيدي سليماني الذي لم يستطع الحفاظ على سلطة المالكي لأيدي حسين همداني الباحث عن مقاربات وأساليب جديدة تعيد ترسيم وهيكلة المشروع الإيراني في ظل التدخلات الغربية المتزايدة في العراق وعودة السطوة العسكرية الأميركية والبريطانية عبر ملف محاربة إرهاب عصابة “داعش” ما يجعل النفوذ الإيراني يتحسس رقبته جيدا, ويبدو أن قيادة همداني للملف العراقي ستؤدي الى مواجهة إيرانية مقبلة لا محالة مع حكومة العبادي التي ستضم أيضا رموزا وألغاما ايرانية كعصابة فيلق بدر عبر رئيسها الحرسي هادي العامري وغيره. الأمر المؤكد هو أن الإيرانيين بصدد تدعيم صفوفهم وحشد طاقاتهم وعناصرهم لمواجهة النفوذ البريطاني المتزايد, فهل سينجح همداني في ما فشل به القمي سليماني… وبين محور قم وهمدان يتأرجح المصير العراقي? أي مصيبة تلك التي يعيشها العراقيون?

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً